الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

اللغة: الرضا والمودة والمحبة نظائر وضدّ الغضب والرضا أيضاً بمعنى المرضي وهو من بنات الواو وبدلالة قولـهم الرضوان وتقول رجل رِضاً ورجال ونساء رضا والملة والنحلة والديانة نظائر وملة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر الذي أوضحته وامتلَّ الرجل إذا أخذ في ملة الإِسلام أي قصد ما أمل منه والإِملال إملاء الكتاب ليكتب. الإعراب: تتبع نصب بحتى قال سيبويه والخليل: إن الناصب للفعل بعد حتى أنْ إلا أنها لا تظهر بعد حتى ويدلّ على أن حتى لا تنصب بنفسها أنها تجر الاسم في نحو قولـه:حتى مطلع الفجر } [القدر: 5] ولا يعرف في العربية حرف يعمل في اسم يعمل في فعل ولا حرف جار يكون ناصباً للفعل فصار مثل اللام في قولك ما كان زيد ليضربك في أنها جارة والناصب ليضربك أن المضمرة ولا يجوز إظهارها مع هذه اللام أيضاً هو ضمير مرفوع بالابتداء أو فصل و الهدى خبر المبتدأ أو خبر إنّ وقولـه من العلم يتعلق بمحذوف في موضع الحال وذو الحال الموصوف المحذوف الذي قولـه الذي جاءك صفته وكذلك قولـه من الله في موضع الحال ومن ولِيِّ في موضع رفع الابتداء ومن مزيدة وقولـه { ما لَك من الله من ولي ولا نصير } في موضع الجزاء للشرط ولكن الجزاء إذا قدر فيه القسم لا يجزم فلا يكون في موضع جزم ولا بد أن يكن فيه أحد الحروف الدالة على القسم فحرف ما ها هنا تدلّ على القسم فلهذا لم يجزم. المعنى: كانت اليهود والنصارى يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة ويرونه أنه إن هادنهم وأمهلهم اتبعوه فآيسه الله تعالى من موافقتهم فقال { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتّبع ملتهم } وقيل أيضاً إن النبي صلى الله عليه وسلم كان مجتهداً في طلب ما يرضيهم ليدخلوا في الإسلام فقيل له دع ما يرضيهم إلى ما أمرك الله به من مجاهدتهم وهذا يدل على أنه لا يصح إرضاء اليهود والنصارى على حال لأنه تعالى علق رضاءهم بأن يصير ع يهودياً أو نصرانياً وإِذا استحال ذلك استحال رضاؤهم يعني أنه لا يرضي كل فرقة منهم إلا أن يتبع ملتهم أي دينهم وقيل قبلتهم. { قل إن هدى الله هو الهدى } أي قل يا محمد لهم إن دين الله الذي يرضاه هو الهدى أي الدين الذي أنت عليه عن ابن عباس وقيل معناه إن هدى الله يعني القرآن هو الذي يهدي إلى الجنة لا طريقة اليهود والنصارى وقيل إن دلالة الله هي الدلالة وهدي الله هو الحق كما يقال طريقة فلان هي الطريقة وقولـه { ولئن اتبعت أهواءهم } أي مراداتهم وقال ابن عباس معناه إن صليت إلى قبلتهم { بعد الذي جاءك من العلم } أي من البيان من الله تعالى وقيل من الدين { مالك } يا محمد { من الله من ولي } يحفظك من عقابه { ولا نصير } أي معين وظهير يعينك عليه ويدفع بنصره عقابه عنك. وهذه الآية تدل على أن من علم الله تعالى منه أنه لا يعصي يصح وعيده لأنه علم أن نبيه ع لا يتبع أهواءهم فجرى مجرى قولـهلئن أشركت ليحبطنّ عملك } [الزمر: 65] والمقصود منه التنبيه على أن حال أمته فيه أغلظ من حاله لأن منزلتهم دون منزلته وقيل الخطاب للنبي ع والمراد أمته.