الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ }

القراءة: قرأ ابن عامر قالوا بغير واو والباقون بالواو. الحجة: حذف الواو هنا يجوز من وجهين أحدهما: أن يستأنف الجملة فلا يعطفها على ما تقدم والآخر: أن للجملة التي هي قالوا اتخذ الله ولداً ملابسة بما قبلها من قولـه: { ومن أظلم ممن منع مساجد الله } الآية فإِن الذين قالوا اتخذ الله ولداً من جملة هؤلاء الذين تقدم ذكرهم فيستغنى عن الواو لالتباس الجملة بما قبلها كما استغني عنها في نحو قولـه:والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة: 39] ولو كان وهم فيها خالدون لكان حسناً. اللغة: الأصل في القنوت الدوام ثم يستعمل على وجوه منها أن يكون بمعنى الطاعة كقولـه:كل له قانتون } [الروم: 26] أي مطيعون ومنها أن يكون بمعنى الصلاة كقولـه:يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين } [آل عمران: 43] وبمعنى طول القيام وروى جابر بن عبد الله قال سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل قال: " طول القنوت " أي طول القيام ويكون بمعنى الدعاء قال صاحب العين: القنوت في الصلاة دعاء بعد القراءة في آخر الوتر يدعو قائماً ومنه قولـه:أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً أو قائماً } [الزمر: 9] ويكون بمعنى السكوت قال زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأمسكنا عن الكلام. النزول: نزلت الآية في النصارى حيث قالوا المسيح ابن الله وقيل نزلت فيهم وفي مشركي العرب حيث قالوا الملائكة بنات الله. المعنى: لَمّا حكى الله سبحانه قول اليهود في أمر القبلة ورد عليهم قولـهم ذَكَر مقالتهم في التوحيد راداً عليهم قال { وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه } أي إِجلالاً له عن اتخاذ الولد وتنزيهاً عن القبائح والسوء والصفات التي لا تليق به وروي عن طلحة بن عبيد الله أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى قولـه { سبحانه } فقال: " تنزيهاً لله عن كل سوء " بل له ما في السموات والأرض هذا رد عليهم قولـهم اتخذ الله ولداً أي ليس الأمر كما زعموا { بل له ما في السماوات والأرض } ملكاً والولد لا يكون ملكاً للأَب لأن البنوّة والملك لا يجتمعان فكيف يكون الملائكة الذين هم في السماء والمسيح الذي هو في الأرض ولدا له فنَبَّه بذلك على أن المسيح وغيره عبيد له مخلوقون مملوكون فهم بمنزلة سائر الخلق. وقيل معناه بل له ما في السماوات والأرض فعلاً والفعل لا يكون من جنس الفاعل والولد لا يكون إِلا من جنس أبيه فإِن من تَبَنَّى إنساناً فالذي تبناه لا بد من أن يكون من جنسه وقولـه { كل له قانتون } قال ابن عباس ومجاهد معناه مطيعون وقال السدي كل له مطيع يوم القيامة وقال الحسن كل له قائم بالشهادة أنه عبده وقال الجبائي كل دائم على حال واحدة بالشهادة بما فيه من آثار الصنعة والدلالة على الربوبية وقال أبو مسلم كل في ملكه وقهره يتصرف فيه كيف يشاء لا يمتنع عليه.