الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ فَٱعْفُواْ وَٱصْفَحُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

اللغة: الحسد إرادة زوال نعمة المحسود إليه أو كراهة النعمة التي هو فيها وإرادة أن تصير تلك النعمة بعينها له وقد يكون تمني زوال نعمة الغير حسداً وإن لم يطمع الحاسد في تحول تلك النعمة إليه وأشد الحسد التعرض للاغتمام بكون الخير لأحد وأما الغبطة فهي أن يراد مثل النعمة التي فيها الغير وإن لم يرد زوالها عنه ولا يكره كونها له فهذا غير مذموم والحسد مذموم ويقال حَسَدته على الشيء أحسُده حَسَداً وحسدته الشيء بمعنى واحد ومنه قول الشاعر:
يحسد الناس الطعاما   
والصفح والعفو والتجاوز عن الذنب بمعنى ويقال لظاهر جلدة الإنسان صَفْحتُه وكذا هو من كل شيء ومنه صافحته أي لَقَتْ صفحة كفه صفحة كفي وقولـهم صفحت عنه فيه قولان أحدهما: أن معناه أني لم آخذه بذنبه وأبديتُ له مني صفحة جميلة. والآخر: أنه لم يرَ مني ما يقبض صفحته ويقال صفحتُ الورقة أي تجاوزتها إلى غيرها ومنه تصفحت الكتاب وقد يتصفح الكتاب من لا يُحسِن أن يقرأه. الإعراب: مِن في قولـه: { من أهل الكتاب } يتعلق بمحذوف تقديره فريق كائنون من أهل الكتاب فيكون صفة لكثير مِن بعد في محل النصب على الظرف والعامل فيه يردّ وكفاراً مفعول ثان ليردّ ومفعوله الأول كُم مِن يردّونكم وفي انتصاب قولـه حسداً وجهان أحدهما: أن الجملة التي قبله تدل على الفعل الذي هو مصدره وتقديره حسدوكم حسداً كما يقال فلان يتمنى لك الشر حسداً فكأنه قال يحسد حسداً. والآخر: أن يكون مفعولاً له فكأنه قال يردونكم كفاراً لأجل الحسد كما تقول جئته خوفاً منه وقولـه من عند أنفسهم يتعلق بقولـه ودّ كثير لا بقولـه حسداً لأن حسد الإنسان لا يكون من غير نفسه قال الزجاج وَقال غيره يجوز أن يتعلق بقولـه حسداً على التوكيد كقولـه عز وجلولا طائر يطير بجناحيه } [الأنعام: 38] ويحتمل وجهاً آخر وهو أن يكون اليهود قد أضافوا الكفر والمعاصي إلى الله تعالى فقال سبحانه تكذيباً لهم:إن ذلك { من عند أنفسهم } وقولـه: { ما تبين } ما حرف موصول وتبين لهم الحق صلته والموصول والصلة في محل الجر بإضافة بعد إليه حتى يأتي الله يأتي منصوب بإضمار أن وهما في محل الجر بحتى والجار والمجرور مفعول فاعفوا واصفحوا. النزول: نزلت الآية في حيي بن أخطب وأخيه أبي ياسر بن أخطب وقد دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة فلما خرجا قيل لحيي أهُو نَبيّ قال هو هو فقيل فما له عندك قال العداوة إلى الموت وهو الذي نقض العهد وأثار الحرب يوم الأحزاب عن ابن عباس وقيل نزلت في كعب بن الأشرف عن الزهري وقيل في جماعة اليهود عن الحسن.

السابقالتالي
2