الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

القراءة قرأَ ابن عامر ما ننْسِخ بضم النون وكسر السين والباقون بفتحها وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ننساها بفتح النون والسين وإثبات الهمزة والباقون بضم النون وكسر السين بلا همز. الحجة: أما قراءة ابن عامر ننسخ فلا يخلو من أن يكون أفعَلَ لغة في فَعَل نحو بدأ وابدأ وحل من إحرامه وأحل أو تكون الهمزة للنقل نحو ضرب وأضربته ونسخ الكتاب وانسخته الكتاب أو يكون المعنى في أنسخت الآية وجدتها منسوخة كقولـهم أحمدت زيداً وأبخلت والوجه الصحيح هو الأول وهو أن يكون نسخ وانسخ لغتين متفقتين في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ وقول من فتح النون أبين وأوضح وأما ننسأها فهي من النساء وهو التأخير يقال نسأت الإبل عن الحوض أنسأها نَسْأَ إذا أخرتهما عنه وانتسأت أنا أي تأخرت ومنه قولـهم انسأ الله أجلك ونسأ في أجلك وأما القراءة الأخرى فمن النسيان الذي هو بمعنى السهو أو بمعنى الترك. اللغة: النسخ في اللغة إبطال شيء وإقامة آخر مقامه يقال نسخت الشمس الظل أي أذهبته وحلت محله وقال ابن دريد كل شيء خلّف شيئاً فقد انتسخه وانتسخ الشيب الشباب وتناسخ الورثة أن تموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم لم يُقْسَم وكذلك تناسخ الأزمنة والقرون بعد القرون الماضية وأصل الباب الإبدال من الشيء غيره. وقال علي بن عيسى: النسخ الرفع لشيء قد كان يلزم العمل به إلى بدل منه كنسخ الشمس بالظل لأنه يصير بدلاً منها في مكانها وهذا ليس بصحيح لأنه ينتقض بمن يلزمه الصلاة قائماً فعجز عن القيام فإنه يسقط عنه القيام لعجزه ولا يسمى العجز ناسخاً ولا القيام منسوخاً وينتقض أيضاً بمن يستبيح الشيء بحكم العقل وورد الشرع بخطره فإنه لا يقال إن الشرع نسخ حكم العقل ولا إن حكم العقل منسوخ وأولى ما يجدّ به النسخ أن يقال هو كل دليل شرعي دل على أن مثل الحكم الثابت بالنص الأول غير ثابت في المستقبل على وجه لولاه لكان ثابتاً بالنص الأول مع تراخيه عنه. والنسخ في القرآن على ضروب منها أن يرفع حكم الآية وتلاوتها كما روي عن أبي بكر أنه قال كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ومنها أن تثبت الآية في الخط ويرفع حكمها كقولـهوإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم } [الممتحنة: 11] الآية فهذه ثابتة اللفظ في الخط مرتفعة الحكم ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم فقد قيل كانت منزلة فرفع لفظها وقد جاءت أخبار كثيرة بأن أشياء كانت في القرآن فنسخ تلاوتها فمنها ما روي عن أبي موسى أنهم كانوا يقرأون لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ثم رفع وعن أنس أن السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة قرأنا فيهم كتاباً بلغوا عنا قومنا إنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم إن ذلك رفع وقال أبو عبيدة معنى ننسأها أي نمضيها فلا ننسخها قال طَرَفة:

السابقالتالي
2 3 4 5