الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

اللغة: النبذ طرحك الشيء عن يدك أمامك أو خلفك والمنابذة انتباذ الفريقين للحرب ونابَذناهم الحرب والمنبوذون هم الأولاد الذين يطرحون المنابذة في البيع منهيٌّ عنها وهو كالرمي كأنه إذا رمى به وجب البيع له وسمي النبيذ نبيذاً لأن التمر كان يلقى في الجَرّة وغيرها وقيل معنى نبذه تركه وقيل ألقاه قال أبو الأسود الدؤلي:
نَظَرْتُ إلى عَنْوَانِهِ فَنَبَذْتُهُ   كَنَبْذِكَ نَعْلاً أَخْلَقَتْ مَنْ نِعَالِكَا
الإعراب: الواو في قولـه: { أوكلما } عند سيبويه وأكثر النحويين واو العطف إلا أن ألف الاستفهام دخلت عليها لأن لها صدر الكلام وهي أُمّ حروف الاستفهام بدلالة أن هذه الواو تدخل على هل تقول وهل زيد عالم لأن الألف أقوى منها. وقال بعضهم يحتمل أن تكون زائدة كزيادة الفاء في قولك أفالله ليفعلن والأول أصح لأنه لا يحكم على الحرف بالزيادة مع وجود معنى من غير ضرورة ونصب كلما على الظرف والعامل فيه نبذه ولا يجوز أن يعمل فيه عاهدوا لأنه متمم لما إمّا صلة وإمّا صفة. المعنى: أخبر الله سبحانه عن اليهود أيضاً فقال { أوكلما عاهدوا } الله { عهداً } أراد به العهد الذي أخذه الأنبياء عليهم أن يؤمنوا بالنبي الأمي عن ابن عباس. وكلما لفظ يقتضي التكرر فيقتضي تكرر النقض منهم وقال عطاء هي العهود التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود فنقضوها كفعل قريظة والنضير عاهدوا أن لا يُعينوا عليه أحداً فنقضوا ذلك وأعانوا عليه قريشاً يوم الخندق. { نبذه فريق منهم } أي نقضه جماعة منهم { بل أكثرهم } أي أكثر المعاهدين { لا يؤمنون } ولا تعود الهاء والميم إلى فريق إذ كانوا كلهم غير مؤمنين فأما المعاهدون فمنهم من آمن كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهما فأما وجه دخول بل على قولـه بل أكثرهم فإنه لأمرين: أحدهما: أنه لما نبذه فريق منهم دل على أن ذلك الفريق كَفَر بالنقض فقال بل أكثرهم كفار بالنقض الذي فعلوه وإن كان بعضهم نَقَضه جهلاً وبعضهم نقضه عناداً والثاني أنه أراد كفر فريق منهم بالنقض وكفر أكثرهم بالجحد للحق وهو أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما يلزم من اتباعه والتصديق به.