الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } * { لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً } * { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } * { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً }

اللغة: اللدد شدة الخصومة وفي التنزيلألدُّ الخصام } [البقرة: 204] أي أشدُّ الخصام خصومة وجمع الألد لدّ قال الشاعر:
إِنَّ تَحْتَ الأشْجارِ حَزْماً وَعَزْماً   وَخَصِيمـاً ألـَـدُّ ذا مِعْـلاقِ
أي شديد الخصومة والركز الصوت الخفي وأصل الركز الحسن ومنه الركاز لأنه يحس به مال من تقدم بالكشف عنه قال ذو الرمة:
وَقـَـدْ تَوَجَّـسَ رِكْزاً مِنْ سَنابِكِها   أو كانَ صاحِبَ أرْضٍ أوْ بِهِ المُومُ
الأرض الرعدة والموم البرسام وأصل الإحساس الإدراك بالحاسة. الإعراب: كل مبتدأ ومن في موضع خبر والجار والمجرور من صلته وأتى الرحمان في موضع رفع خبر كل وهو مضاف إلى المفعول ووحد كلاً على اللفظ وعبداً في موضع الحال من الضمير من أتى وهل تحس منهم من أحد من الأولى يتعلق بتحس والثانية مزيدة ويجوز أن يكون تقديره هل تحس أحداً منهم ويكون منهم في موضع الصفة لأحد فلما قدم على الموصوف انتصب على الحال. المعنى: ثم قال سبحانه { إن كل من في السماوات والأرض إلا أتى الرحمان عبداً } أي ما كل من في السماوات والأرض من الملائكة والإنس والجن إلا ويأتي الله سبحانه عبداً مملوكاً خاضعاً ذليلاً ومثله قوله:وكل أتوه داخرين } [النمل: 87] والمعنى أن الخلق عبيده خلقهم وربّاهم وجرى عليهم حكمه وأن عيسى وعزيراً والملائكة من جملة العبيد وفي هذا دلالة على أن النبوة والعبودية لا يجتمعان وأنه إذا ملك الإنسان ابنه عتق عليه. { لقد أحصاهم وعدَّهم عداً } أي علم تفاصيلهم وأعدادهم فكأنه سبحانه عدَّهم إذ لا يخفى عليه شيء من أحوالهم { وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً } أي كل واحد منهم يأتي المحشر والموضع الذي لا يملك الأمر فيه إلا الله فرداً وحيداً مفرداً ليس له مال ولا ولد ولا ناصر مشغولاً بنفسه لا يهمُّه همّ غيره. ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال: { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان وُدّاً } قيل فيه أقوال أحدها: أنها خاصة في علي بن أبي طالب ع فما من مؤمن إلا وفي قلبة محبة لعلي ع عن ابن عباس وفي تفسير أبي حمزة الثمالي حدثني أبو جعفر الباقر ع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي ع: " قل اللهم اجعل لي عندك عهداً واجعل لي في قلوب المؤمنين وُدّاً " فقالهما علي ع فنزلت هذه الآية وروي نحوه عن جابر بن عبد الله الأنصاري. والثاني: أنها عامة في جميع المؤمنين يجعل الله لهم المحبة والإلفة في قلوب الصالحين قال هرم بن حبان ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقهم مودَّتهم ورحمتهم ومحبتهم وقال الربيع بن أنس: إن الله إذا أحب مؤمناً قال لجبرائيل إني أحببت فلاناً فأحبّه فيحبّه جبرائيل ثم ينادي في السماء ألا إن الله أحب فلاناً فأحبُّوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له قبول في أهل الأرض فعلى هذا يكون المعنى يحبُّهم الله ويحبّبهم إلى الناس.

السابقالتالي
2