الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يٰأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } * { يٰأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَآءَنِي مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِيۤ أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً } * { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } * { يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } * { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } * { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } * { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً } * { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } * { وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً }

القراءة: قد ذكرنا الاختلاف بين القراء في قوله يا أبت والوجه في ذلك في سورة يوسف ع. اللغة: الصديق هو كثير التصديق بالحق حتى يصير علماً فيه والرغبة عن الشيء نقيض الرغبة فيه والترغيب الدعاء إلى الرغبة في الشيء والانتهاء الامتناع من الفعل المنهي عنه يقال نهاه عن الأمر فانتهى وأصله النهاية والنهي زجر عن الخروج من النهاية المذكورة والتناهي بلوغ نهاية الحد والرجم الرمي بالحجارة والرجم الشتم وأصله من الرَّجَم والرِّجام وهو الحجارة والملي الدهر الطويل قال الفراء يقال كنت عندنا مُلْوة ومَلْوةً ومِلْوةً وَمُلاوةً ومِلاوةً وكله من طول المقام والحفي المستقصي في السؤال والخفي اللطيف بعموم النعمة وأصل الباب الاستقصاء. تقول تحفيت به أي بالغت في إكرامه وحفوته من كل خير بالغت في منعه وأحفيت شاربي بالغت في أخذه حتى استأصلته وأحفيت في السؤال بالغت وكل شيء استوصل فقد اختفى وتقول العرب جاءني لسان فلان أي مدحه وذمَّه قال عامر بن الحرث:
إِنِّي أَتَتْنِي لِسَـانٌ لاَ أَسُــرُّ بِهـا   مِنْ عَلْو لاَ عَجَبٌ مِنْها وَلاَ سُخُرُ
جاءتْ مُرَجَّمَةً قًدْ كُنْتُ أَحْذَرُها   لَوْ كَانَ يَنْفَعُنِي الإشْفاقُ وَالْحَذَرُ
الإعراب: قال الزجاج العرب تقول في النداء يا أبت ويا أمت ولا يقال قال أبتي كذا وقالت أمتي كذا وزعم الخليل وسيبويه أنهما بمنزلة قولهم يا عمة ويا خالة وزعم أنه بمنزلة قولهم رجل ربعة وغلام يفعة وأن الهاء عوض من ياء الإضافة في يا أبي ويا أُمي وقولـه ملياً منصوب على الظرف وكلاً مفعول جعلنا. المعنى: ثم ذكر سبحانه قصة إبراهيم ع فقال: { واذكر } يا محمد { في الكتاب } أي القرآن { إبراهيم إنه كان صديقاً } أي كثير التصديق في أُمور الدين عن الجبائي. وقيل: صادقاً مبالغاً في الصدق فيما يخبر عن الله تعالى عن أبي مسلم { نبياً } أي علياً رفيع الشأن برسالة الله تعالى { إذ قال لأبيه } آزر { يا أبت } أي يا أبي ودخلت التاء للمبالغة في تحقيق الإضافة { لم تعبد ما لا يسمع } دعاء من يدعوه { ولا يبصر } من يتقرب إليه ويعبده { ولا يغني عنك شيئاً } من أُمور الدنيا أي لا يكفيك شيئاً فلا ينفعك ولا يضرُّك. { يا أبت إني قد جاءني من العلم } بالله والمعرفة { ما لم يأتك فاتبعني } على ذلك واقتد بي فيه { أهدك صراطاً سوياً } أي أوضح لك طريقاً مستقيماً معتدلاً غير جائر بك عن الحق إلى الضلال { يا أبت لا تعبد الشيطان } أي لا تطعه فيما يدعوك إليه فتكون بمنزلة من عبده ولا شبهة أن الكافر لا يعبد الشيطان ولكن من أطاع شيئاً فقد عبده { إن الشيطان كان للرَّحمان عصياً } أي عاصياً.

السابقالتالي
2 3