الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } * { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } * { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } * { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } * { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }

القراءة: قرأ عاصم وابن عامر ويعقوب قول الحق بالنصب والباقون بالرفع وفي الشواذ قراءة أبي مجلز وأبي نهيك وبراً بوالدتي بكسر الباء. الحجة: قال أبو علي قول الحق الرفع فيه على أن قوله ذلك عيسى ابن مريم كلام والمبتدأ المضمر ما دلَّ عليه هذا الكلام أي هذا الكلام قول الحق ويجوز أن يضمر هو ويجعله كناية عن عيسى ع أي هو قول الحق لأنه قد قيل فيه روح الله وكلمته والكلمة قول وأما النصب فعلى أن قوله ذلك عيسى ابن مريم يدل على أحق قول الحق وتقول هذا زيد الحق لا الباطل لأن قولك هذا زيد عندك بمنزلة أحق فكأنك قلت أحق الحق وأحق قول الحق ومن قال وبراً بوالدتي فكأنه قال وألزمني براً بوالدتي ويكون معطوفاً على موضع الجار والمجرور من قوله وأوصاني بالصلاة والزكاة وعليه بيت الكتاب:
يَذْهَبْـنَ فِي نَََََََََََََََجْـدٍ وَغَـوْراً غَائــرا   
أي ويسلكن غوراً وإن شئت حملته على حذف المضاف بمعنى وجعلني ذا بر وإن شئت جعلته إياه على المبالغة كقول الخنساء:
فَإِنَّمَــا هِـي إقْبَــالٌ وَإِدْبَــارُ   
اللغة: السلام مصدر سلمت والسلام جمع سلامة والسلام اسم من أسماء الله تعالى وسلام مما يبتدأ به في النكرة لأنه اسم يكثر استعماله يقال سلام عليك والسلام عليك وأسماء الاجناس يكثر الابتداء بها وفائدة نكرتها قريب من فائدة معرفتها تقول لبيك وخير بين يديك وإن شئت قلت والخير بين يديك إلاَّ أنه لما جرى ذكر سلام قبل هذا الموضع بغير ألف ولام كان الأحسن أن يرد ثانية بالألف واللام. المعنى: ثم بيَّن سبحانه تمام كلام عيسى ع فقال: { وجعلني مباركاً أينما كنت } أي وجعلني معلماً للخير عن مجاهد. وقيل: نفاعاً حيث ما توجهت والبركة نماء الخير والمبارك الذي ينتمي الخير به. وقيل: ثابتاً دائماً على الإيمان والطاعة وأصل البركة الثبوت عن الجبائي { وأوصاني بالصلاة والزكاة } أي بإقامة الصَّلاة وأداء الزكاة { ما دمت } أي ما بقيت { حياً } مكلفاً { وبراً بوالدتي } أي واجعلني باراً بها أُؤدِّي شكرها فيما قاسته بسببي { ولم يجعلني جباراً } أي متجبراً { شقياً } والمعنى أني بلطفه وتوفيقه كنت محسناً إلى والدتي متواضعاً في نفسي حتى لم أكن من الجبابرة الأشقياء. { والسلام عليَّ } أي والسلامة علي من الله { يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً } أي في هذه الأحوال الثلاث وقد مرَّ تفسيرها قبل في قصة يحيى وفي هذه الآيات دلالة على أنه يجوز أن يصف الإنسان نفسه بصفات المدح إذا أراد تعريفها إلى غيره لا على وجه الافتخار. قيل: ولما كلَّمهم عيسى ع بهذا علموا براءة مريم ثم سكت عيسى ع فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان.

السابقالتالي
2