الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } * { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } * { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } * { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } * { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } * { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } * { فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } * { يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً } * { فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } * { قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً }

القراءة: قرأ حمزة وحفص نسياً بفتح النون والباقون نسياً بكسر النون وقرأ من تحتها بكسر الميم أهل المدينة والكوفة غير أبي بكر وسهل فالباقون مَنْ تحتها وقرأ حفص عن عاصم تُساقِط بضم التاء وكسر القاف وقرأ حماد عن عاصم وبصير عن الكسائي ويعقوب وسهل يساقط بالياء وتشديد السين وقراءة حمزة تساقط بفتح التاء وتخفيف السين والباقون تساقط بفتح التاء وتشديد السين وفي الشواذ قراءة مسروق يساقط بضم الياء وتخفيف السين وقرأ طلحة بن سليمان رطباً جنياً بكسر الجيم فإما ترين بسكون الياء والتخفيف. الحجة: قال أبو علي قال أبو الحسن النَسْي هو الشيء الحقير ينسى نحو النعل والسوط وقال غيره النسي أغفل ما من شيء حقير وقال بعضهم ما إذا ذكر لم يطلب وقالوا الكسر على اللغتين قال الشنفرى:
كَأَنَّ لَهَا فِي الأَرْضِ نِسْياً تَقُصُّهُ   عَلـَى أمـِّها وَإِنْ تُخَاطِبْكَ تَبْلَّتِ
وقال في قولـه من تحتها إنه جبرائيل أو عيسى وقال بعض أهل التأويل لا يكون إلاَّ عيسى ع ولا يكون جبرائيل لأنه لو كان جبرائيل لناداها من فوقها وقد يجوز أن يكون جبرائيل وليس قوله: { من تحتها } يراد به الجهة السفلى وإنما المراد من دونها بدلالة قوله: { قد جعل ربك تحتك سرياً } ولم يكن النهر محاذياً لهذه الجهة ولكن المعنى جعله دونك وقد يُقال فلان تحتنا أي دوننا في الموضع والأشبه أن يكون المنادي لها عيسى فإنه أشد إزالة لما خامر قلبها من الاغتمام وإذا قال من تحتها كان عاماً وضع موضع الخاص والمراد به عيسى. قال والوجوه كلها كما في تساقط متفقة في المعنى إلاَّ قراءة حفص ألا ترى أن من قرأ تساقط إنما هي تتساقط فحذف التاء التي يدغمها غيره وكلهم جعل فاعل الفعل الذي هو تساقط أو تساقط في رواية حفص النخلة ويجوز أن يكون فاعل تساقط أو تساقط هي جذع النخلة إلاَّ أنه لما حذف المضاف أسند الفعل إلى النخلة في اللفظ فأما تعديتهم تسقط فهو تفاعل لأن تفاعل مطاوع فاعل فكما عدى نحو تفعل في نحو تجرعته وتمززته فكذلك عدى تفاعل فمما جاء من ذلك في الشعر قول أوفى بن مطر:
تَخَاطأَتِ النَّبْلُ أحْشَاءَهُ   وَأخَّرَ يَوْمـِي فَلَمْ يَعْجَلِ
وقول الآخر:
تطَالَعَنَـا خِيَالاَتٌ لِسَـلْمَى   كَمَا يَتَطَالَعُ الدَّيْنَ الغَرِمُ
وقول امرىء القيس:
وَمِثْلـِكَ بَيْضَــاءُ العَوَارِضِ طِفْلَةٍ   لَعُوبٍ تُنَاسَانِي إِذَا قُمْتُ سِرْبَالِي
أراد تنسيني ومن قرأ بالياء أمكن أن يكون فاعله الهز لأنَّ قولـه { هزي } قد دلَّ عليه فإذا كان كذلك جاز أن يضمره كما أضمر الكذب في قوله: من كذب كان شراً له ويمكن أن يكون الجذع ويجوز في الفعل إذا أسند إلى الجذع وجهان أحدهما: أن الفعل أُضيف إلى الجذع كما أُضيف إلى النخلة برمتها لأن الجذع معظمها والآخر: أن يكون الجذع منفرداً عن النخلة يسقط عليها ويكون سقط الرطب في الجذع آية لعيسى ع ويصير سقوط الرطب من الجذع أسكن لنفسها وأشدُّ إزالة لاهتمامها وسقوط الرطب من الجذع منفرداً من النخل مثل رزقها الذي كان يأتيها المحراب في قوله تعالى: { كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً } إلى قوله: { هو من عند الله } وقوله: { رطباً } في هذه الوجوه منصوب على أنه مفعول به و يجوز في قوله: { تساقط عليك } أي تساقط عليك ثمرة النخلة رطباً فحذف المضاف الذي هو الثمرة ويكون انتصاب رطب على الحال وجاز أن يضمر الثمر وإن لم يجر لها ذكر لأن ذكر النخلة يدل عليها فأما الباء في قوله: { وهزي إليك بجذع النخلة } فيحتمل أمرين أحدهما: أن يكون زيادة كقوله: ألقى بيده وألقى يده وقوله:

السابقالتالي
2 3 4 5 6