الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } * { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً } * { قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } * { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } * { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } * { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } * { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

القراءة: قرأ يعقوب برواية روح وزيد فلا تصحبني والباقون فلا تصاحبني وقرأ أهل المدينة وأبو بكر عن عاصم من لدني خفيفة النون والباقون لدني بالتشديد وقرأَ ابن كثير وأهل البصرة لَتَخِذت بكسر الخاء مخففة وابن كثير يظهر منه الذال والباقون لَتَّخَذت وعاصم يظهر الذال والآخرون يدغمون وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو أن يُبَدِّلهما بفتح الباء وتشديد الدال وكذلك في التحريم أن يُبَدِّلنا والباقون بسكون الباء وتخفيف الدال وقرأ رُحُماً بضم الحاء أبو جعفر وابن عامر وعاصم وعباس ويعقوب وسهل والباقون بسكون الحاء وفي الشواذ قراءة النبي صلى الله عليه وسلم جداراً يريد أن يُنقض بضم الياء وقراءة علي بن أبي طالب ع وعكرمة ويحيى بن يعمر ينقاص بصاد غير معجمة وبالألف وقراءة عبد الله والأعمش يريد لينقض. الحجة: من قرأ فلا تصحبني فمعناه لا تكون صاحبي ومن قرأ فلا تصاحبني فمعناه إن طلبت صحبتك فلا تتابعني على ذلك وأما قوله من لدنيّ فإن الأجود تشديد النون لأن أصل لدن الإسكان فإذا أضفتها إلى نفسك زدت نوناً لتسلم سكون النون الأولى تقول من لدن زيد ومن لدنّي كما تقول عن زيد وعنّي ومن قرأ لدني لم يجز له أن يقول عني لأن لدن اسم غير متمكن ومن وعن حرفان جاء المعنى ولدن مع ذلك أثقل مِنْ مِنْ وعن والدليل على أن الأسماء يجوز فيها حذف النون قولهم قدني في معنى حسبي ويجوز قدي قال:
قَدْنِـي مِـنْ نَصْـرِ الْخُبَيْبَيْـن قَــدِي   
فجاء باللغتين وقال أبو زيد اتخذنا مالاً نتخذه اتخاذاً وتَخِذْتُ اتخذ تخذاً وقال أبو علي وجه الإدغام أن هذه الحروف متقاربة فيدغم بعضها في بعض كما يدغم سائر المتقاربة فالتاء والدال والطاء والظاء والذال والثاء يدغم بعضها في بعض للمقاربة فأما الصاد والسين والزاي فيدغم بعضها في بعض ويدغم فيها الحروف الستة ولا يدغمن في الستة لما يختل من إدغامها في مقاربها من الصفير وأما قوله أن يبدلهما فإنَّ أبدل وبدَّل متقاربان في المعنى كما أن أنزل ونزل كذلك وأما قولـه رُحُماً فإن الرُحُم والرُحْم ههنا الرحمة قال رؤبة:
يا مُنْزِلَ الرُّحْمِ عَلَى إدْرِيسِ   وَمُنـْـزِلَ اللَّعـْـنِ عَلـى إبْلِيس
قال ابن جني قوله يريد أن ينقص معناه قد قارب أو شارف ذلك فهو عائد إلى معنى يكاد وقد جاء ذلك عنهم وأنشد أبو الحسن:
كادَتْ وَكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إرادَةٍ   لَوْ عادَ مِنْ لَهْوِ الصَّبَابَةِ ما مَضى
وحسن هنا لفظ الإرادة لأنه أقوى في وقوع الفعل وذلك أنها داعية إلى وقوعه وهي أيضاً لا تصح إلا مع الحياة ولا يصح الفعل إلا لذي الحياة وليس كذلك كاد لأنه قد يقارب الأمر ما لا حياة له نحو ميل الحائط وإشراق ضوء الفجر وينقاضُ أي ينكسر يقال قِصْتُهُ فانقاص قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6