الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } * { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }

القراءة: قرأ حفص عن عاصم لمَهلِكهم بفتح الميم وكسر اللام وكذلك في النملوما شهدنا مَهْلَك } [النمل: 49] وقرأ حماد ويحيى عن أبي بكر بفتح الميم واللام وقرأ الأعشى والبرجمي عنه ههنا بالضم وهناك بالفتح وقرأ الباقون لمُهلَكهم ومُهلَك بضم الميم وفتح اللام. الحجة: من قرأ لمُهْلَكهم فإن المُهْلَك يجوز أن يكون مصدراً ويجوز أن يكون وقتاً فيكون معناه لإهلاكهم أو لوقت أهلاكهم ومن قرأ لمَهْلِكِهم فالمراد لوقت هلاكهم ومن قرأ بفتح الميم واللام فهو مصدر مثل الهلاك وقد حكي أن تميماً يقول هلكني زيد وعلى هذا حمل بعضهم قوله:
ومَهْمَه هالِكِ مَنْ تَعَرَّجا   
فقال: هو بمعنى مِهْلِك فيكون هالك مضافاً إلى المفعول به وإذا لم يكن بمعنى مهلك يكون هالك مضافاً إلى الفاعل مثل حسن الوجه وكذلك قوله لمَهْلِكهم على قراءة حفص أو لمَهْلَكهم بفتح اللام والميم فإنه مصدر فعلى قول من عدّى هلكت يكون مضافاً إلى المفعول به وعلى قول من لم يعدَّه يكون مضافاً إلى الفاعل. الإعراب: تلك القرى تلك رفع بالابتداء والقرى صفة لها مبينة لها وأهلكناهم في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ ويجوز أن يكون موضع تلك القرى نصباً بفعل مضمر يكون أهلكناهم مفسّراً لذلك الفعل وتقديره وأهلكنا تلك القرى أهلكناهم. المعنى: ثم قال سبحانه { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها } معناه ليس أحد أظلم لنفسه ممن ذكر أي وعظ بالقرآن وآياته ونبّه على أدلة التوحيد فأعرض عنها جانباً { ونسي ما قدَّمت يداه } أي نسي المعاصي التي استحق بها العقاب. وقيل: معناه تذكر واشتغل عنه استخفافاً به وقلة معرفة بعاقبته لأنه نسي ذلك ثم قال سبحانه: { إنا جعلنا على قلوبهم أكنة } وهي جمع كنان { أن يفقهوه } أي كراهة أن يفقهوه أو لئلا يفقهوه { وفي آذانهم وقراً } أي ثقلاً وقد تقدَّم بيان هذا فيما مضى وجملته أنه على التمثيل كما قال في موضع آخروإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً } [لقمان: 7] فالمعنى كأنَّ على قلوبهم أكنة أن يفقه وفي آذانهم وقراً أن يسمع. { وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً } أخبر سبحانه أنهم لا يؤمنون أبداً وقد خرج مخبره موافقاً لخبره فماتوا على كفرهم { وربك الغفور ذو الرحمة } معناه وربك الساتر على عباده الغافر لذنوب المؤمنين ذو النعمة والأفضال على خلقه. وقيل: الغفور التائب ذو الرحمة للمصرِّ بأن يمهل ولا يعجل. وقيل: الغفور لا يؤاخذهم عاجلاً ذو الرحمة يؤخّرهم ليتوبوا { لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجَّل لهم العذاب } في الدنيا { بل لهم موعد } وهو يوم القيامة والبعث { لن يجدوا من دونه موئلاً } أي ملجأ عن ابن عباس وقتادة.

السابقالتالي
2