الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } * { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } * { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } * { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } * { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }

القراءة: قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويوم تُسَيَّر بضم التاء وفتح الياء الجبالُ رفع والباقون نُسير بالنون وكسر الياء والجبال نصب. الحجة: قال أبو علي حجة من بنى الفعل للمفعول به قوله:وسُيّرت الجبال } [النبأ: 20] قولـه:وإذا الجبال سيرت } [التكوير: 3] ومن قرأ نسير فلأنه أشبه بما بعده من قوله: { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً } اللغة: الهشيم ما يكسر ويحطم من يبس النبات والذر والتذرية تطيير الريح الأشياء الخفيفة في كل جهة يقال ذرته الريح تذروه وذرَّته وأَذْرَتْه وأذريت الرجل عن الدابة إذا ألقيته عنها قال الشاعر:
فَقُـلْتُ لَهُ صَوِّبْ وَلا تُجْهِدَنَّهُ   فَيَذْرُكَ مِنْ أُخْرى القَطاةِ فَتَزْلَقِ
والمغادرة الترك ومنه الغدر لأن ترك الوفاء ومنه الغدير لترك الماء فيه والإشفاق الخوف من وقوع مكروه مع تجويز أن لا يقع وأصله الرقة ومنه الشفق الحمرة الرقيقة التي تكون في السماء وشفقة الإنسان على ولده رقته عليه. الإعراب: صفاً نصب على الحال أي مصفوفين. أن لن نجعل أن هذه مخففة من الثقيلة ولن نجعل لكم موعداً خبره وقال قد كتبت في المصحف اللام مفصولة ولا وجه له. لا يغادر في موضع نصب على الحال. المعنى: ثم أمر سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يضرب المثل للدنيا تزهيداً فيها وترغيباً في الآخرة فقال: { واضرب } يا محمد { لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض } أي نبت بذلك الماء نبات التفتَّ بعضه ببعض يروق حسناً وغضاضة وهذا مفسر في سورة يونس ع { فأصبح هشيماً } أي كسيراً مفتتاً { تذروه الرياح } فتنقله من موضع إلى موضع فانقلاب الدنيا كانقلاب هذا النبات { وكان الله على كل شيء مقتدراً } أي قادراً لا يجوز عليه المنع. قال الحسن: أي كان الله مقتدراً على كل شيء قبل كونه. قال الزجاج: وتأويله أن ما شاهدتم من قدرته ليس بحادث وأنه كذلك كان لم يزل هذا مذهب سيبويه. وقيل: إنه إخبار عن الماضي ودلالة على المستقبل وهذا المثل إنما هو للمتكبرين الذين اغتّروا بأموالهم واستنكفوا عن مجالسة فقراء المؤمنين أخبرهم الله سبحانه أن ما كان من الدنيا لا يراد الله سبحانه به فهو كالنبت الحسن على المطر لا مادة له فهو يروق ما خالطه ذلك الماء فإذا انقطع عنه عاد هشيماً لا ينتفع به. ثم قال: { المال والبنون زينة الحياة الدنيا } أي يتفاخر بهما ويتزين بهما في الدنيا ولا ينتفع بهما في الآخرة وإنما سمّاهما زينة لأن في المال جمالاً وفي البنين قوة ودفعاً فصارا زينة الحياة الدنيا وكلاهما لا يبقى للإنسان فينتفع به في الآخرة { والباقيات الصالحات } وهي الطاعات لله تعالى وجميع الحسنات لأن ثوابها يبقى أبداً عن ابن عباس وقتادة.

السابقالتالي
2 3