الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } * { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } * { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً }

القراءة: قرأ أبو جعفر وعاصم ويعقوب وسهل وكان له ثمر وأحيط بثمره في الموضعين بالفتح ووافق رويس في الأول وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وسكون الميم في الموضعين والباقون بضم الثاء والميم في الحرفين وقرأ أهل الحجاز وابن عامر خيراً منهما بزيادة ميم وكذلك هو في مصاحفهم وقرأ أهل العراق منها بغير ميم. الحجة: قال أبو علي: الثمرة ما يجتنى من ذي الثمر وجمعها ثمرات ويجمع على ثمر كبقرة وبقر وعلى ثمار كرقبة ورقاب وعلى هذا تشبيه المخلوقات بغير المخلوقات وقد يشبه كل واحد منهما بالآخر ويجوز في القياس أن يكسر ثمار على ثُمُر ككتاب وكتب وقراءة أبي عمرو وكان له ثُمْر يجوز أن يكون جمع ثمار كما يخفف كُتْب ويجوز أن يكون ثُمْر جمع ثمرة كبدنة وبُدْن وخشبة وخشب ويجوز أن يكون ثمر واحدة كعنق وطنب فعلى أيّ هذه الوجوه كان جاز إسكان العين منه كذلك في قوله:وأحيط ثمره } [الكهف: 42] وقال بعض أهل اللغة الثُمُر المال والثَمَر المأكول جاء في التفسير قريب من هذا قالوا الثمر النخل والشجر ولم يرد به الثمرة والثمر على ماروي عن عدة من السلف بل الأصول التي تحمل الثمرة لا نفس الثمر بدلالة قوله فأصبح يقلّب بكفيه على ما أنفق فيها أي في الجنة والنفقة إنما تكون على ذوات الثمرة في أغلب العرف وكانت الآفة التي أرسلت إليها اصطلمت الأصول واجتاحتها كما جاء في صفة الجنة الأخرى فأصبحت كالصريم أي كالليل في سوادها لاحتراقها وكالنهار في بياضها وما بطل من خضرتها بالآفة النازلة بها وحكي عن أبي عمرو ثُمْر والثُمْر أنواع المال فإذا اصطلم الثمر فاجتيح دخلت الثمرة فيه ولا يمكن أن يصاب الأصل ولا تصاب الثمرة وإذا كان كذلك فمن قرأ بثُمُره وثُمْره كان قوله أبين ممن قرأ بالفتح ويجوز القراءة بالفتح كأنه أخبر عن بعض ما أصيب وأمسك عن بعض وقوله خيراً منها منقلباً فالإفراد لأنه أقرب إلى الجنة المفردة في قوله ودخل جنته والتثنية لتقدم ذكر الجنتين. اللغة: حفَّ القوم بالشيء إذا أطافوا به وحفافا الشيء جانباه كأنهما أطافا به قال طرفة:
كــأَنَّ جَناحـَيْ مَضْرَحِــيٍّ تَكَنَّفـا   حِفافَيْهِ شُكَّا في العَسِيبِ بِمِسْرَدِ
والمحاورة مراجعة الكلام في المخاطبة ويقال كلمت فلاناً فما رجع إليَّ حواراً ومحورة وحويراً. الإعراب: إنما قال أتت على لفظ كلتا فإنه بمنزلة كل في أنه مفرد اللفظ ولو قال أتتا على المعنى لجاز قال الشاعر في التوحيد:
وَكِلْتاهُمــا قَدْ خُطَّ لِـي في صَحِيفَتي   فَلاَ العَيْشَ أَهْواهُ وَلاَ المَوْتَ أَرْوَحُ
المعنى: ثم ضرب الله لعباده مثلاً يستفيئهم به إلى طاعته ويزجرهم عن معصيته وكفران نعمته فقال مخاطباً لنبيّه صلى الله عليه وسلم { واضرب لهم مثلاً رجلين } روي عن ابن عباس أنه قال: يريد ابني ملك كان في بني إسرائيل توفي وترك ابنين وترك مالاً جزيلاً فأخذ أحدهما حقه منه وهو المؤمن منهما فتقرَّب الى الله تعالى وأخذ الآخر حقَّه فتملك به ضياعاً منها هاتان الجنتان.

السابقالتالي
2