الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } * { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }

اللغة: الظهير المعين وهو المظاهر وأصله من الظهر كأن كلَّ واحد يسند ظهره إلى ظهر صاحبه فيتقوى به والتصريف تصيير الشيء دائراً في الجهات وكذلك تصريف الكلام هو تصييره دائراً في المعاني المختلفة. الإِعراب: إلا رحمة من ربك الرحمة استثناء من الأول والمعنى ولكن الله تعالى رحمك فأثبت ذلك في قلبك لا يأتون مرفوع لأنه غلب جواب القسم على جواب أن واللام في لئن موطئة للقسم دالة عليه والتقدير فوالله لا يأتون بمثله ومثله قول كثير:
لَئنْ عادَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بِمِثْلِها   وَأَمْكَنَنــي مِنْهـــا إذاً لا أُقِيلُها
المعنى: ثم قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم { ويسألونك } يامحمد { عن الروح } اختلف في الروح المسؤول عنه على أقوال أحدها: أنهم سألوه عن الروح الذي هو في بدن الإنسان ما هو ولم يجبهم وسأله عن ذلك قوم من اليهود عن ابن مسعود وابن عباس وجماعة واختاره الجبائي وعلى هذا فإنما عدل النبي صلى الله عليه وسلم عن جوابهم لعلمه بأن ذلك ادعى لهم إلى الصلاح في الدين ولأنهم كانوا بسؤالهم متعنتين لا مستفيدين فلو صدر الجواب لازدادوا عناداً. وقد قيل إن اليهود قالت لكفار قريش سلوا محمداً عن الروح فإن أجابكم فليس بنبي وإن لم يجبكم فهو نبي فإنا نجد في كتبنا ذلك فأمر الله سبحانه بالعدول عن جوابهم وأن يكلمهم في معرفة الروح إلى ما في عقولهم ليكون ذلك علماً على صدقه ودلالة لنبوته. وثانيها: أنهم سألوا عن الروح أهي مخلوقة محدثة أم ليست كذلك فقال سبحانه { قل الروح من أمر ربي } أي من فعله وخلقه وكان هذا جواباً لهم عما سألوا عنه بعينه وعلى هذا فيجوز أن يكون الروح الذي سألوه عنه هو الذي به قوام الجسد على قول ابن عباس وغيره أم جبرائيل ع على قول الحسن وقتادة أم ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله بجميع ذلك على ما روي عن علي ع أم عيسى ع فإنه قد سمي بالروح. وثالثها: أن المشركين سألوه عن الروح الذي هو القرآن كيف يلقاك به الملك أو كيف صار معجزاً وكيف صار نظمه وترتيبه مخالفاً لأَنواع كلامنا من الخطب والأشعار وقد سمى الله تعالى القرآن روحاً في قولهوكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [الشورى: 52] فقال سبحانه قل يا محمد إن الروح الذي هو القرآن من أمر ربي أنزله دلالة على دلالة نبوتي وليس من فعل المخلوقين ولا مما يدخل في إمكانهم وعلى هذا فقد وقع الجواب أيضاً موقعه. وأما على القول الأول فيكون معنى قوله الروح من أمر ربي هو من الأمر الذي يعلمه ربي ولم يطلع عليه أحد.

السابقالتالي
2 3