الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً } * { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } * { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } * { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }

اللغة: الدلوك الزوال وقال المبرد دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها وقيل هو الغروب وأصله في الدلك فسمي الزوال دلوكاً لأن الناظر إليها يدلك عينيه لشدة شعاعها وسمي الغروب دلوكاً لأن الناظر يدلك عينيه ليتبينها. قال ثعلب: دلكت الشمس مالت. وقال الزجاج: يقال دلكت بِراح وبراح أي مالت للزوال حتى صار الناظر يحتاج إذا تبصرها أن يكسر الشعاع عن بصره براحته قال الراجز:
هــذا مَقـــامُ قَدَمـَـيْ رَباحِ   لِلشَّمْسِ حَتَّى دَلَكَتْ بَراحِ
ورباح اسم ساقي الإبل ومن قال براح بفتح الباء جعلها اسماً للشمس مبنياً على فعال مثل قطام وحذام ومن روى بِراحِ بكسر الباء أراد براحته وقال الفراء أي قال بالراحة على العين لينظر هل غابت الشمس بعد وغسق الليل ظهور ظلامه يقال غسقت القرحة إذا انفجرت فظهر ما فيها والتهجد التيقظ والسهر بما ينفي النوم والهجود النوم وهو الأصل هجد يهجد نام وقد هجَّدته إذا نوَّمته قال لبيد:
قُلْتُ هَجِّدْنا وَقَدْ طالَ السُّرى   وَقَــدَرْنا إِنْ خَنَـا الدَّهْرِ غَفَلْ
وقال آخر:
أَلا طَرَقتْنا وَالرِّفاقُ هُجُودٌ   فَبـاتَتْ بَعَـلاَّتِ النَّوالِ تَجُودُ
وقال الحطيئة:
أَلا طَرَقَتْ هِنْدُ الهُنُودِ وَصُحْبَتي   بِحَـوْرانِ حَوْرانِ الجُنُـود هُجُودُ
قال المبرد التهجد السهر للصلاة أو لذكر الله وقال علقمة التهجد يكون بعد نومة والنافلة والنفل الغنيمة قال لبيد:
إِنَّ تَقْوى رَبِّنا خَيْرُ نَفَــلْ   وَبِإِذْنِ اللهِ رَيْثِي وَعَجَلْ
أي وعجلي وعسى من الله واجبه وقد أنشد لابن مقبل في وجوبها:
ظَنّي بِهِمْ كَعَسى وَهُمْ بِتَنُوفَةٍ   يَتَنازَعُونَ جَوائــزَ الأَمَثـْـالِ
يريد كيقين والزهوق الهلاك والبطلان يقال زهقت نفسه إذا خرجت فكأنه قد خرجت الهلاك. الإعراب: قرآن الفجر منصوب على تقدير وأقم قرآن الفجر وانتصب قوله نافلة لك لأنه في موضع الحال. المعنى: ثم أمر سبحانه بعد إقامة البينات وذكر الوعد والوعيد بإقامة الصلاة فقال مخاطباً للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد هو وغيره { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } اختلف المفسرون في الدلوك فقال قوم دلوك الشمس زوالها وهو قول ابن عباس بخلاف وابن عمر وجابر وأبي العالية والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد وقتادة والصلاة المأمور بها على هذا هي صلاة الظهر وهو المروي عن أبي جعفر ع وأبي عبد الله ع ومعنى قوله لدلوك الشمس أي عند دلوكها وقال قوم دلوكها غروبها وهو قول النخعي والضحاك والسدي والصلاة المأمور بها على هذا هي المغرب وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس والقول الأول هو الأوجه لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس فصلاتا دلوك الشمس الظهر والعصر وصلاتا غسق الليل هما المغرب والعشاء الآخر والمراد بقرآن الفجر صلاة الفجر فهذه خمس صلوات وهذا معنى قول الحسن واختاره الواحدي. وغسق الليل وهو أول بدء الليل عن ابن عباس وقتادة وقيل هو غروب الشمس عن مجاهد وقيل هو سواد الليل وظلمته عن الجبائي وقيل هو انتصاف الليل عن أبي جعفر ع وأبي عبد الله ع واستدل قوم من أصحابنا بالآية على أن وقت صلاة الظهر موسَّع إلى آخر النهار لأنه سبحانه أوجب إقامة الصلاة من وقت دلوكها إلى غسق الليل وذلك يقتضي أن ما بينهما وقت ولم يرتضه الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه قال: لأن من قال إن الدلوك هو الغروب فلا دلالة فيه عنده بل يقول أوجب سبحانه إقامة المغرب من عند الغروب إلى وقت اختلاط الظلام الذي هو غروب الشفق ومن قال الدلوك هو الزوال أمكنه أن يقول إن المراد بالآية بيان وجوب الصلوات الخمس على ما ذكره الحسن لابيان وقت صلاة واحدة وأقول إنه يمكن الاستدلال بالآية على ذلك بأن يقال إن الله سبحانه جعل من دلوك الشمس الذي هو الزوال إلى غسق الليل وقتاً للصلوات الأربع إلا أن الظهر والعصر اشتركا في الوقت من الزوال الى الغروب والمغرب والعشاء الآخر اشتركا في الوقت من الغروب إلى الغسق.

السابقالتالي
2 3