الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً }

القراءة: قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وأبو بكر خلفك بغير ألف والباقون خلافك بالألف وقرأ رويس عن يعقوب بالوجهين. الحجة: قال أبو علي زعم أبو الحسن أن خلافك في معنى خلفك ومعناه بعدك فمن قرأ خلفك أو خلافك فهو في القراءتين جميعاً على تقدير حذف المضاف أي بعد خروجك فيكون مثل قول في ذي الرمة:
لَهُ واجِفٌ بِالقَلْبِ حَتّى تَقَطَّعَتْ   خِلافَ الثُّرَيا مِنْ أرِيكٍ مَآرِبُهُ
والمعنى خلاف طلوع الثريا وكذلك من جعل قوله: { خلاف } رسول الله صلى الله عليه وسلم اسماً للجهة كان على حذف المضاف كأنه خلاف خروج رسول الله ومن جعله مصدراً جعله مضافاً إلى مفعول به وعلى أيّ الأمرين حمل ذلك في سورة التوبة كان بمقعدهم المقعد فيه مصدر لا اسم المكان لأن اسم المكان لا يتعلق به شيء. الإعراب: قال لا يلبثون بالرفع لأن إذاً إذا وقعت بعد الواو جاز فيها الإلغاء لأنها متوسطة في الكلام كما أنه لا بدَّ من أن تلقى إذا وقعت حشو أو سنة من قد أرسلنا انتصب بمعنى قوله: { لا يلبثون } لأن تأويله أنا سننا هذه السنة فيمن أرسلناهم قبلك والتقدير أهلكناهم إهلاكاً وسنة مثل سنة من قد أرسلنا قبلك. النزول: نزلت في أهل مكة لما همُّوا بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة عن مجاهد وقتادة وقيل نزلت في اليهود بالمدينة لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قالوا له إن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء وإنما أرض الأنبياء الشام فأت الشام عن ابن عباس. المعنى: ثم بيَّن سبحانه أن الكفار لما يئسوا من إجابته إياهم فيما التمسوه منه كادوا له فقالوا { وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها } معناه وأن المشركين أرادوا أن يزعجوك من أرض مكة بالإخراج عن قتادة ومجاهد وقيل عن أرض المدينة يعني اليهود عن ابن عباس وقيل يعني جميع الكفار أرادوا أن يخرجوك من أرض العرب عن الجبائي وقال الحسن ليستفزونك معناه ليقتلونك { وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً } معناه أنهم لو أخرجوك لكانوا لا يلبثون بعد خروجك إلا زماناً قليلاً ومدة يسيرة قيل وهي المدة بين خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وقتلهم يوم بدر عن الضحاك وقيل إنهم أخرجوه وأهلكوا والمراد بقوله: { إلا قليلاً } إلا ناساً قليلاً منهم يريد من انفلت منهم يوم بدر وآمنوا بعد ذلك. { سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا } معناه أنهم لو أخرجوك لاستأصلناهم بعد خروجك كسنتنا فيمن قبلك قال سفيان بن عيينة يقول لم نرسل قبلك رسولاً فأخرجه قومه إلا أهلكوا فقد سننا هذه السنة فيمن أرسلنا قبلك إليهم { ولا تجد لسنتنا تحويلاً } أي تبديلاً ومعناه ما يتهيأ لأحد أن يقلب سنة الله ويبطلها والسنة هي العادة الجارية والصحيح أن المعنيّين في الآية مشركو مكة وأنهم لم يخرجوه من مكة ولكنَّهم همُّوا بإخراجه كما في قولـه:وإذ يمكر بك الذين كفروا } [الأنفال: 30] إلى قولـه:أو يخرجوك } [الأنفال: 30] ثم خرج صلى الله عليه وسلم لما أمر بالهجرة خوفاً منهم وندموا على خروجه ولذلك ضمنوا الأموال في ردّه فلم يقدروا على ذلك ولو أخرجوه لاستؤصلوا بالعذاب ولماتوا طُرّاً.