الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } * { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً }

القراءة: قرأ أهل البصرة أعمى الأولى بالإمالة وأعمى الثانية بالتفخيم وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة فيهما والباقون بالتفخيم فيهما وقرأ زيد عن يعقوب يوم يدعوا بالياء والباقون بالنون وفي الشواذ قراءة الحسن يوم يُدعوا بضم الياء وفتح العين. الحجة: قال أبو علي من أمالهما فإنه حسن لأنه ينحو بالألف نحو الياء ليعلم أنها تنقلب إلى الياء وإن كانت فاصلة أو مشبهة بالفاصلة فالإمالة فيها حسنة لأن الفاصلة موضع وقف والألف تخفى في الوقف فإذا أمالها نحى بها نحو الياء ليكون أظهر لها وأبين. ومما يقوي ذلك أن من العرب من يقلب هذه الألفات في الوقف ياءات ليكون أبين لها قالوا أفعى وحبلى ومنهم من يقول أفعو وهم كأنهم أحرص على البيان من الأولين من حيث كانت الواو أظهر من الياء والياء أخفى منها من حيث كانت أقرب إلى الألف من الواو إليها. وأما من أمال الألف من الكلمة الأولى ولم يمل من الثانية فإنه يجوز أن لا يجعل أعمى الكلمة الثانية عبارة عن المؤوف الجارحة ولكنه جعله أفعل من كذا مثل أبلد من فلان فجاز أن يقول فيه أفعل من كذا وإن لم يجز أن يقول ذلك في المصاب ببصره فإذا جعله كذلك لم يقع الألف في آخر الكلمة لأن آخرها إنما هو من كذا وإنما تحسن الإمالة في الأواخر لما تقدم وقد حذف من أفعل الذي هو للتفضيل الجار والمجرور وهما مرادان في المعنى مع الحذف وذلك نحو قوله:فإنه يعلم السر } [طه: 7] وأخفى المعنى من السر وكذلك قولهم عام أول أي أول من عامك وكذلك قوله: { فهو في الآخرة أعمى } أي أعمى منه في الدنيا ومعنى أعمى في الآخرة أنه لا يهتدي إلى طرق الثواب ويؤكد ذلك ظاهر ما عطف عليه من قوله: { وأضل سبيلاً } فكما أن هذا لا يكون إلا على أفعل فكذلك المعطوف عليه ومعنى أضل سبيلاً في الآخرة أن ضلاله في الدنيا قد كان ممكناً من الخروج منه وضلاله في الآخرة سبيل له إلى الخروج منه ويجوز أن يكون أعمى فيمن تأوله أفعل من كذا على هذا التأويل أيضاً قال ابن جني قراءة الحسن يوم يدعو على لغة من أبدل الألف في الوصل واواً نحو أفعو وحبلو ذكر ذلك سيبويه وأكثر هذا في الوقف. المعنى: لمّا تقدَّم قول إبليس هذا الذي كرَّمت عليّ ذكر سبحانه بعد ذلك تكرمة لبني آدم بأنواع الإكرام وفنون الإنعام فقال { ولقد كرمنا بني آدم } أي فضَّلناهم عن ابن عباس وأجريت الصفة على جميعهم من أجل من كان فيهم على هذه الصفة كقوله:كنتم خير أمة أخرجت للناس }

السابقالتالي
2 3 4