الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } * { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً } * { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } * { أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً }

القراءة: قرأ ابن كثير وأبو عمرو نخسف ونرسل ونعيدكم فنرسل عليكم فنغرقكم كله بالنون وقرأ أبو جعفر ويعقوب فتغرقكم بالتاء والباقي بالياء وقرأ الباقون كلها بالياء. الحجة: من قرأ الجميع بالياء فلما تقدم من قوله: { ضلَّ من يدعون إلا إياه فلما نجاكم } ومن قرأ بالنون فلأن هذا النحو قد تقطع بعضه من بعض ولأن الانتقال من الغيبة إلى الخطاب جائز ومن قرأ فتغرقكم بالتاء فإنه ردَّ الضمير المؤنث في فتغرقكم إلى الريح. اللغة: الإزجاء سوق الشيء حالاً بعد حال والحاصب من قولهم حصبه بالحجارة يحصبه حصباً إذا رماه بها رمياً متتابعاً قال القتيبي الحاصب الريح التي ترمي بالحصباء وهي الحصا الصغار قال الفرزدق:
مُسْتَقْبِلِيــنَ شِمـالَ الشَّامِ يَضْرِبُنا   بِحاصِبٍ كَنَدِيفِ القُطْنِ مَنْدُوفِ
والقاصف الكاسر بشدة قصفه يقصفه قصفاً. المعنى: لمّا تقدَّم ذكر الشيطان وذكر المشركين وعبدة الأوثان احتجَّ عليهم سبحانه بدلائل التوحيد والإيمان فقال { ربكم } أي خالقكم ومدبّركم { الذي يزجي لكم الفلك } أي يجري لكم السفن { في البحر } بما خلق من الرياح وبأن جعل الماء على وجه يمكن جري السفن فيه { لتبتغوا من فضله } أي لتطلبوا من فضل الله تعالى بركوب السفن على وجه الماء فيما فيه صلاح دنياكم من التجارة أو صلاح دينكم من الغرق { إنه كان بكم رحيماً } حيث أنعم عليكم بهذه النعم. { وإذا مسكم الضر } أي الشدة { في البحر } بسكون الرياح واحتباس السفن أو باضطراب الأمواج وغير ذلك من أهوال البحر { ضل من تدعون إلا إياه } أي ذهب عنكم ذكر كل معبود إلا الله فلا ترجون هناك النجاة إلا من عنده فتدعونه ولا تدعون غيره { فلما نجاكم } من البحر { إلى البر } وأمنتم الغرق { أعرضتم } عن الإيمان به وعن طاعته كفراناً للنعمة { وكان الإنسان كفوراً } أي كثير الكفران. { أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر } معناه أن فعلكم هذا فعل من يتوهم أنه صار إلى البرِّ أمن المكاره حتى أعرضتم عن شكر الله وطاعته فهل أمنتم أن يخسف بكم أي يغيبكم ويذهبكم في جانب البر وهو الأرض يقال خسف الله به الأرض أي غاب به فيها وأراد به بعض البر وهو موضع حلولهم فيه فسمّاه جانباً لأنه يصير بعد الخسف جانباً وقيل إنهم كانوا على ساحل البحر وساحله جانب البر وكانوا فيه آمنين من أهوال البحر فحذرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر { أو يرسل عليكم حاصباً } أي أو هل أمنتم أن يرسل عليكم حجارة تحصبون بها أي ترمون بها والمعنى أنه سبحانه قادر على إهلاككم في البر كما أنه قادر على إغراقكم في البحر { ثم لا تجدوا لكم وكيلاً } أي حافظاً يحفظكم عن عذاب الله ودافعاً يدفعه عنكم. { أم أمنتم } أي أم هل أمنتم { أن يعيدكم فيه تارة أخرى } أي في البحر مرة أخرى بأن يجعل لكم حاجة أو يحدث لكم رغبة أو رهبة فترجعون إلى البحر مرة أخرى { فيرسل عليكم قاصفاً من الريح } أي فإذا ركبتم البحر أرسل عليكم ريحاً شديدة كاسرة للسفينة وقيل الحاصب الريح المهلكة في البر والقاصف المهلكة في البحر { فيغرقكم بما كفرتم } من نعم الله { ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعاً } أي تابعاً يتبع إهلاككم للمطالبة بدمائكم ويقول لِمَ فعلت هذا بهم وهذا في معنى قول المفسرين يعني ثائراً ولا ناصراً.