الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } * { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } * { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } * { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً }

القراءة: قرأ حفص ورجلك بكسر الجيم والباقون بسكونها. الحجة: من سكن الجيم فهو جمع راجل مثل راكب وركب وصاحب وصحب وتاجر وتجر وأما قراءة حفص بكسر الجيم فروى أبو علي عن أبي زيد يقال رجل رجل للراجل ويقال جاءنا حافياً رجلاً وأنشد:
أما أُقاتِلُ عَنْ دِينِي عَلى فَرَس   وَلا كَــذا رَجِــلاً إِلاَّ بِأصْحابِ
كأنه قال أما أقاتل فارساً وراجلاً وروى ابن جني عن قطرب أنه قال الرجل الرجال وعليه قراءة عكرمة وقتادة ورجالك قال زهير الرجل:
هُمُ ضَرَبُوا عــَنْ فَرْجِـها بِكَتِيبَةٍ   كَبَيْضاءِ حَرْسٍ فِي جَوانِبِها الرَّجْلُ
اللغة: الاحتناك الاقتطاع من الأصل يقال احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم إذا استقصاه فأخذه كله واحتنك الجراد الزرع إذا أكله كله قال الشاعر:
أَشْكُو إِلَيْكَ سَنَةً قَدْ أَجْحَفَتْ   جَهْداً إلــى جَهْـدٍ بِنـا وَأَضْعَـفَتْ
وَاحْتَنَكـَـتْ أَمْوالَنـــا وَجَلَفـَــتْ   
وقيل إنه من قولهم حنك الدابة يحنكها إذا جعل في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به والموفور المكمل يقال وفرته أفره وفراً قال زهير:
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْرُوفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ   يَفـِـرْهُ وَمَــنْ لا يَتـَّـقِ الشَّتـْــمَ يُشْتَم
والاستفزاز الإزعاج والاستنهاض على خفة وإسراع وأصله القطع وتفزر الثوب إذا تخرق وفزرته تفزيراً فكأنه معنى استفزه استزله بقطعه عن الصواب ورجل فز أي خفيف والاستطاعة قوة تنطاع بها الجوارح للفعل ومنه الطوع والطاعة وهو الانقياد للفعل والإجلاب السوق بجلبة من السائق والجلبة شدة الصوت وقال ابن الأعرابي أجلب الرجل على صاحبه إذا توعده بالشر وجمع عليه الجيش. الإعراب: قال الزجاج طيناً منصوب على الحال بمعنى أنك أنشأته في حال كونه من طين ويجوز أن يكون تقديره مِنْ طين فحذف مِنْ فوصل الفعل ومثله قوله:أن تسترضعوا أولادكم } [البقرة: 233] أي لأولادكم وقيل إنه منصوب على التمييز والكاف في قوله: { أرأيتك } لا موضع لها من الإعراب لأنها حرف خطاب جاء للتوكيد وموضع هذا نصب بأرأيت والجواب محذوف المعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته عليَّ ولِمَ كرمته عليَّ وقد خلقتني من نار وخلقته من طين فحذف ما ذكرناه لأن في الكلام دليلاً عليه. المعنى: ثم ذكر سبحانه قصة آدم ع وإبليس فقال { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس } قد مرَّ تفسيره في سورة البقرة { قال } إبليس { أأسجد لمن خلقت طيناً } وهو استفهام بمعنى الإنكار أي كيف أسجد له وأنا أفضل منه وأَصْلي أشرف من أصله وفي هذا دلالة على أن إبليس فهم من ذلك تفضيل آدم على الملائكة ولولا ذلك لما كان لامتناعه من السجود وجه وإنما جاز أن يأمرهم سبحانه بالسجود لآدم ع ولم يجز أن يأمرهم بالعبادة له لأن السجود يترتب في التعظيم حسب ما يراد به وليس كذلك العبادة التي هي خضوع بالقلب ليس فوقه خضوع لأنه يترتب في التعظيم لجنسه يبيّن ذلك أنه لو سجد ساهياً لم يكن له منزلة في التعظيم على قياس غيره من أفعال الجوارح.

السابقالتالي
2 3