الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } * { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } * { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }

اللغة: المسطور المكتوب قال العجاج:
وَاعْلَمْ بـِـأَنَّ ذَا الجَلالِ قـَــدْ قـَــدَرْ   فِي الصُّحُفِ الأُولَى الَّذِي كانَ سَطَرْ
والمنع وجود ما لا يصح معه وقوع الفعل من القادر عليه وإنما جاز في وصف الله تعالى منعنا للمبالغة في أنه لا يقع منه الفعل فكأنه قد منع منه الفعل وإن كان لا يجوز إطلاق مثل هذه الصفة عليه سبحانه لأنه قادر لذاته ومقدوراته غير متناهية فلا يصح أن يمانعه شيء. الإعراب: { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } أنْ الأولى نصب وأنْ الثانية رفع والمعنى وما منعنا الإرسال إلا تكذيب الأولين ومبصرة نصب على الحال والشجرة الملعونة تقديرها وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس أيضاً والمعنى الشجرة الملعونة أهلها وآكلوها وهم الكفرة والفجرة فلما حذف المضاف استتر الضمير في اسم المفعول فأنث المفعول لما جرى على الشجرة قوله: { فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً } أي فما يزيدهم التخويف فأضمر التخويف لجري ذكر الفعل وانتصب قوله طغياناً على أنه مفعول ثان لقوله يزيد. المعنى: ثم زاد سبحانه في الموعظة فقال { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة } معناه وما من قرية إلا نحن مهلكوها بإماتة أهلها { أو معذبوها عذاباً شديداً } وهو عذاب الاستئصال فيكون هلاك الصالحين بالموت وهلاك الطالحين بالعذاب في الدنيا فإنه يفني الناس ويخرب البلاد قبل يوم القيامة ثم تقوم القيامة عن الجبائي ومقاتل وقيل إن المراد بذلك قرى الكفر والضلال دون قرى الإيمان والمراد بالإهلاك التدمير عن أبي مسلم { كان ذلك في الكتاب مسطوراً } أخبر أن ذلك كائن لا محالة ولا يكون خلافه ومعناه كان ذلك الحكم في الكتاب الذي كتبه الله تعالى لملائكته وهو اللوح المحفوظ مكتوباً. { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلى أن كذب بها الأولون } ذكر فيه أقوال أحدها: أن التقدير ما منعنا إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين ومعناه إنا لم نرسل الآيات التي اقترحتها قريش في قولهم حوِّل لنا الصفا ذهباً وفَجِّر لنا الأرض ينبوعاً إلى غير ذلك لأنا لو أرسلناها لم يؤمنوا فيستحقوا المعاجلة بالعقوبة كما أنا لما أجبنا الأولين من الأمم إلى آيات اقترحوها فكذَّبوا بها عذَّبناهم بعذاب الاستئصال لأن من حكم الآية المقترحة أنه إذا كذَّب بها وجب عذاب الاستئصال ومن حكمنا النافذ في هذه الآيات أن لا نعذبهم بعذاب الاستئصال لشرف محمد صلى الله عليه وسلم ولما يعلم في ذلك من المصلحة ولأن فيهم من يؤمن به وينصره ومن يولد له ولد مؤمن ولأن أمته باقية وشريعته مؤبدة إلى يوم القيامة فلذلك لم نجبهم إلى ذلك وأنزلنا من الآيات الواضحات والمعجزات البينات ما تقوم به الحجة وتنقطع به المعذرة.

السابقالتالي
2 3