الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } * { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } * { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

القراءة: ليسوءَ بفتح الهمزة شامي كوفي غير حفص إلا أن الكسائي يقرأ بالنون والباقون ليسوؤوا بالياء وضم الهمزة على وزن ليسوعوا وفي الشواذ قراءة ابن عباس لتُفسدن بضم التاء وبفتح السين وعيسى الثقفي لتَفسُدن بفتح التاء وضم السين وقراءة علي ع عبيداً لنا وقراءة أبي السماك فحاسوا بالحاء وقراءة أبي بن كعب ليسوءاً بالتنوين. الحجة: من قرأ ليسوء بالياء ففاعل ليسوء يجوز أن يكون أحد شيئين إمّا اسم الله تعالى لأن الذي تقدم بعثنا ورددنا لكم وأمددناكم بأموال وبنين وإمّا البعث ودلَّ عليه بعثنا المتقدم كقوله:لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم } [آل عمران: 180] أي البخل خيراً لهم ومن قرأ لنسوء بالنون كان في المعنى كقول من قدر أن الفاعل ما تقدَّم من اسم الله تعالى وجاز أن ينسب المساءة إلى الله تعالى وإن كانت من الذين جاسوا خلال الديار في الحقيقة لأنهم فعلوا المساءة بقوة الله تعالى فجاز أن ينسب إليه. وأما قوله ليسوؤا فمعناه إذا جاء وعد الآخرة أي وعد المرة الأخرى من قوله لتفسدن في الأرض مرتين بعثناهم ليسوؤوا وجوهكم فحذف بعثناهم لأن ذكره قد تقدم والحجة في ليسوؤوا أنه أشبه بما قبله وما بعده ألا ترى أن قبله ثم بعثناهم وبعده ليدخلوا المسجد الحرام والمبعوثون في الحقيقة هم الذين يسوؤنهم بقتلهم إياهم وأسرهم لهم فهو وفق المعنى وقال وجوهكم على أن الوجوه مفعول له ليسوء وعدى إلى الوجوه لأن الوجوه قد يراد به ذو الوجوه كقوله:كل شيء هالك إلا وجهه } [القصص: 88] وقوله:وجوه يومئذ ناضرة } [القيامة: 22] ووجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة } [عبس: 38] وقال النابغة:
أَقارعُ عَوْفٍ لا أُحاوِلُ غَيْرَها   وُجُوهُ قُرودٍ تَبْتَغي مَنْ تُجادِعُ
وأما قراءة أبي ليسوءا فالوجه فيه على قول ابن جني أن يكون على حذف الفاء كما يقال إذا سألتني فلأعطِكَ كأنك تأمر نفسك ومعناه فلأعطينك واللامان بعده للأمر أيضاً وهما وليدخلوا المسجد وليتبروا ويقوي ذلك أنه لم يأت لإذا جواب فيما بعد وأما من قرأ لتُفسدن ولتَفسُدن فإحدى القراءتين شاهدة للأخرى لأن من أفسد فقد فسد وأما حاسوا فمعناه معنى جلسوا بعينه. اللغة: القضاء فصل الأمر على إحكام ومنه سمي القاضي ثم يستعمل بمعنى الخلق والإحداث كما قالفقضاهن سبع سماوات } [فصلت: 12] وبمعنى الإيجاب كما قالوقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [الإسراء: 23] وبمعنى الإعلام والإخبار بما يكون من الأمر وهو المعنى ها هنا وأصله الأحكام والعلو الارتفاع وعلا فلان الشيء إذا أطاقه ويقال علا في المكارم يعلي علا فهو علي وعلا في المكان يعلو علواً فهو عالٍ والجوس التخلل في الديار يقال تركت فلاناً يجوس بني فلان ويجوسهم ويدوسهم أي يطأهم قال أبو عبيد: كل موضع خالطته ووطئته فقد حسته وجسته قال حسان:

السابقالتالي
2 3 4 5