الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } * { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } * { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } * { ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً } * { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً }

القراءة: قرأ ابن عامر وأهل الكوفة كان سيئه بضم الهمزة مضافاً إلى الهاء وقرأ الباقون سيئة منصوباً منوناً غير مضاف. الحجة: من قرأ سيئُهُ مضافاً قال لأنه قد تقدَّم ذكر أمور منها سيىء ومنها حسن فخصَّ الله سبحانه السيىء منها بأنه مكروه عنده لأنه عز اسمه لا يكره الحسن ويقوي ذلك قولـه { مكروهاً } ولو كان سيئة غير مضاف لوجب أن تكون مكروهة فإن قيل إن التأنيث غير حقيقي فلا يمتنع أن يذكر قيل إن ها هنا التذكير لا يحسن وإن لم يكن حقيقياً لأن المؤنث قد تقدم ذكره فإن قوله:
وَلا أرْضَ أبْقَلَ إبْقالَها   
مستقبح عندهم ولو قال أبقل الأرض لم يستقبح وذلك أن المتقدم الذكر ينبغي أن يكون الراجع إليه وفقه كما يكون وفقه في التثنية والجمع وإذا لم يتقدم له ذكر لم يلزم أن يراعي ذلك ومن قرأ سيئة فإنه يشبه أن يكون لما رأى الكلام اقتطع عند قوله { وأحسن تأويلاً } وكان الذي بعده من قوله { ولا تقف ما ليس لك به علم } لا أمْرَ حسناً فيه قال كل ذلك كان سيئة فأفرد ولم يضف فإن قلت كيف ذكر المؤنث ثم قال مكروهاً قلت: فإنه يجوز أن لا نجعل مكروهاً صفة لسيئة ولكن نجعله بدلاً ولا يلزم أن يكون في البدل ذكر المبدل منه كما يجب ذلك في الصفة ويجوز أن يكون مكروهاً حالاً من الذكر الذي في قوله { عند ربك } على أن تجعل عند ربك صفة للنكرة. قال النحوي البصير: ليس هذا بصحيح لأن الضمير الذي في الظرف مؤنث كما أن السيئة مؤنث فيلزم منه ما لزم من الأول إذا جعلته صفة للسيئة وإن حمله على التأنيث غير الحقيقي يجيء منه ما قال في قوله:
ولا أرض أبقل إبقالها   
اللغة: القفو اتباع الأثر ومنه القيافة فكأنه يتبع قفا المتقدم قال:
وَمِثْلِ الدُّمى شُمُّ العَرانِينِ ساكِنٌ   بِهـِنَّ الحَيـاءُ لا يُشِعْـنَ التَّقافِيا
أي التقاذف قال أبو عبيدة القفو العضيهة يقال قافه يقوفه وقفاه يقفوه بمعنى فهو مثل جذب وجبذ وأصل الخرق القطع ورجل خرق يتخرق في السخاء والخرق الفلاة لانقطاع أطرافها بتباعدها قال رؤبة:
وَقاتِمُ الأعْماقِ خاوِي المُخْتَرقْ   
أي خاوي المقطع والمرح شدة الفرح. الإعراب: قال كل أولئك لأن أولئك وهؤلاء للجمع القليل من المذكر والمؤنث وإذا أريد الكثير يقال كل هذه وتلك. قال الشاعر:
ذُمَّ الْمَنازِلُ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوى   وَالْعَيْــشُ بَعْــدَ أُولئكَ الأيَّامِ
فأولئك كما يكون إشارة إلى العقلاء يكون إشارة إلى غيرهم وقوله: { كان عنه مسؤولا } الهاء تعود إلى كل أي يسأل عن استعمال هذه الأشياء وإن شئت كان الهاء يعود إلى الإنسان أي يسأل عن الإنسان فيما استعمل هذه الأشياء ويكون في مسؤولاً ضمير يعود إلى كل وقدره أبو علي أن أفعال السمع والبصر والفؤاد كل أفعال أولئك طولاً مصدر وضع موضع الحال إما عن الفاعل في لن تبلغ أو من الجبال وجوَّز الأمرين أبو علي وفتلقى منصوب بإضمار أن لكونه جواب النهي بالفاء ملوماً مدحوراً نصب على الحال ومرحاً نصب على التمييز ويجوز أن يكون مصدراً وضع موضع الحال كقولهم جاء زيد ركضاً وجاء زيد راكضاً فركضاً أوكد في الاستعمال لأن ركضاً يدل على توكيد الفعل وتقديره يركض ركضاً وعلى هذا يكون معناه ولا تمش في الأرض مختالاً وقيل إن طولاً نصب على التمييز.

السابقالتالي
2 3