الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ ٱللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ ٱللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلـٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

اللغة: التوكيد التشديد وأوكد عقدك أي شدَّه وهي لغة أهل الحجاز وأهل نجد يقولون أكدت تأكيداً والأنكاث الأنقاض واحدها نكث والنكث المصدر وهذا قول لا نكثة فيه أي لا خلف وكل شيء نقض بعد الفتل انكاث حبلاً كان أو غزلاً والحبل منتكث أي منتقض ومنه سموا من تابع الإمام طائعاً ثم خرج عليه ناكثاً لأنه نقض ما وكد على نفسه بالأيمان والعهود كفعل الناكثة غزلها الدخل ما أدخل في الشيء على فساد. وقيل الدخل الدغل والخديعة وإنما قيل الدخل لأن داخل القلب على ترك الوفاء والظاهر على الوفاء قال أبو عبيدة: كل أمر لم يكن صحيحاً فهو دخل وكل من دخله عيب فهو مدخول. وأربى أفعل من الربا وهو الزيادة ومنه الربوة والربا في المال وأربى فلان للزيادة التي تريدها على عزيمة في رأس ماله قال الشاعر:
وَأسْمَـــرَ خَطِــيّاً كَـــأنَّ كُعـُـوبَـــهُ   نَوَى القَسْبِ قَدْ أرْبى ذِراعاً عَلَى الْعَشْرِ
الإعراب: أنكاثاً منصوب لأنه في معنى المصدر دخلاً بينكم منصوب لأنه مفعول له والمعنى تتخذون أيمانكم للدخل والغش وقوله: { أن تكون أمة } على تقدير بأن تكون أمة وهي أربى موضع أربى رفع مبتدأ وخبر وكلاهما في محل النصب بأنه خبر كان. وقال الفراء: إن موضع أربى نصب وهي عماد وهذا لا يجوز لأن الفصل الذي يسميه الكوفيون عماداً لا يدخل بين النكرة وخبره وقد أخطأ أيضاً بأن شبه ذلك بقوله:تجدوه عند الله هو خيراً } [المزمل: 20] فإن الهاء في تجدوه معرفة وها هنا أمة نكرة فلا يشبه ذلك ويجوز أن تكون الجملة صفة لأمة ولا يحتاج تكون إلى خبر لأنه بمعنى يحدث ويقع وأمة فاعله وتقديره كراهة أن تكون فهو مفعول له ولئلا يكون عند الكوفيين. المعنى: لمّا تقدم ذكر الأمر بالعدل والإحسان والنهي عن المنكر والعدوان عقَّبه سبحانه بالأمر بالوفاء بالعهد والنهي عن نقض الإيمان فقال { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم } قال ابن عباس الوعد من العهد وقال المفسرون العهد الذي يجب الوفاء به والوعد هو الذي يحسن فعله وعاهد الله ليفعلنه فإنه يصير واجباً عليه { ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } هذا نهي منه سبحانه عن نكث الأيمان وهو أن ينقضها بمخالفة موجبها وارتكاب ما يخالف عقدها وقوله: { بعد توكيدها } أي بعد عقدها وإبرامها وتوثيقها باسم الله تعالى وقيل بعد تشديدها وتغليظها بالعزم والعقد على اليمين بخلاف لغو اليمين عن أبي مسلم. { وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً } أي حسيباً فيما عاهدتموه عليه وقيل كفيلاً بالوفاء وذلك أن من حلف بالله فكأنه أكفل الله بالوفاء بما حلف وقيل إنه قولهم الله علي كفيل أو وكيل وقيل أراد به أن الكفيل بالشيء يكون حفيظاً له والإنسان إنما يؤكد الأمر على نفسه بذكر اسم الله تعالى على جهة اليمين ليحفظ سبحانه ذلك الأمر.

السابقالتالي
2 3