الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ } * { وَأَلْقَوْاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ ٱلسَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } * { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

اللغة: تقول ألقيت الشيء إذا طرحته واللقى الشيء الملقى وألقيت إليه مقالة أي قلتها له وتلقاها إذا قبلها والسلم الاستسلام والانقياد والتبيان والبيان واحد. الأزهري قال العرب تقول بينت الشيء تبييناً وتبياناً. المعنى: ثم أبان سبحانه عن حال المشركين يوم القيامة فقال { وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم } يعني الأصنام والشياطين الذين أشركوهم مع الله في العبادة وقيل سمّاهم شركاءهم لأنهم جعلوا لهم نصيباً من الزرع والأنعام فهم إذا شركاؤهم على زعمهم { قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك } أي يقولون هؤلاء شركاؤنا التي شركناها معك في الإلهية والعبادة وأضلونا عن دينك فحملهم بعض عذابنا { فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون } معناه فقالت الأصنام وسائر ما كانوا يعبدونه من دون الله بإنطاق الله تعالى إياهم لهؤلاء إنكم لكاذبون في أنا أمرناكم بعبادتنا ولكنكم اخترتم الضلال بسوء اختياركم لأنفسكم وقيل إنكم لكاذبون في قولكم إنا آلهة وإلقاء المعنى إلى النفس إظهاره لها حتى تدركه متميزاً عن غيره. { وألقوا إلى الله يومئذ السلم } معناه واستسلم المشركون وما عبدوهم من دون الله لأمر الله وانقادوا لحكمه يومئذ عن قتادة وقيل معناه إن المشركين زال عنهم نخوة الجاهلية وانقادوا قسراً لا اختياراً واعترفوا بما كانوا ينكرونه من توحيد الله تعالى { وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون } أي بطل ما كانوا يأملونه ويتمنونه من الأماني الكاذبة من أن آلهتهم تشفع لهم وتنفع. { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } أي أعرضوا عن دين الله وقيل صدُّوا غيرهم عن اتباع الحق الذي هو سبيل الله وقيل صدَّ المسلمين عن البيت الحرام عن أبي مسلم { زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون } أي عذّبناهم على صدِّهم عن دين الله زيادة على عذاب الكفر وقيل زدناهم الأفاعي والعقارب في النار لها أنياب كالنخل الطوال عن ابن مسعود وقيل هي أنهار من صفر مذاب كالنار يعذبون بها عن ابن عباس ومقاتل وقيل زيدوا حيات كأمثال الفيلة والبخت وعقارب كالبغال الدلم عن سعيد بن جبير. { ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم } أي من أمثالهم من البشر ويجوز أن يكون ذلك الشهيد نبيّهم الذي أرسل إليهم ويجوز أن يكون المؤمنون العارفون يشهدون عليهم بما فعلوه من المعاصي وفي هذا دلالة على أن كل عصر لا يجوز أن يخلو ممن يكون قوله حجة على أهل عصره وهو عدل عند الله تعالى وهو قول الجبائي وأكثر أهل العدل وهذا يوافق ما ذهب إليه أصحابنا وإن خالفوهم في أن ذلك العدل والحجة منه هو. { وجئنا بك } يا محمد { شهيداً على هؤلاء } يريد على قومك وأمتك وإنما أفرده بالذكر تشريفاً له وتمَّ الكلام ها هنا ثم قال سبحانه { ونزلنا عليك الكتاب } يعني القرآن { تبياناً لكل شيء } أي بياناً لكل أمر مشكل ومعناه ليبين كل شيء يحتاج إليه من أمور الشرع فإنه ما من شيء يحتاج الخلق إليه في أمر من أمور دينهم إلا وهو مبين في الكتاب إما بالتنصيص عليه أو بالإحالة على ما يوجب العلم من بيان النبي صلى الله عليه وسلم والحجج القائمين مقامه أو إجماع الأمة فيكون حكم الجميع في الحاصل مستفاداً من القرآن { وهدى ورحمة } أي ونزلنا عليك القرآن دلالة إلى الرشد ونعمة على الخلق لما فيه من الشرائع والأحكام ولأنه يؤدّي إلى نعم الآخرة { وبشرى للمسلمين } أي بشارة لهم بالثواب الدائم والنعيم المقيم.

السابقالتالي
2 3