الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } * { يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } * { وَإِذَا رَأى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلْعَذَابَ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ }

اللغة: الأكنان جمع كنّ وهو الموضع الذي يستتر صاحبه فيه ويقال كننت الشيء في كِنّه أي صنته وأكننته أي أخفيته وكل ما لبسته من قميص أو درع أو جوشن أو غيره فهو كن. قال الزجاج: والعتب الموجدة يقال عتب عليه يعتب إذا وجد عليه فإذا فاوضه ما عتب عليه قالوا عاتبه وإذا رجع إلى مسرته قيل أعتب والاسم العتبي وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب واستعتبه طلب منه أن يعتب. قال أبو مسلم: الاستعتاب مأخوذ من العتاب والعتب وأصله دبغ الأديم وهو عتابه وفي المثل: إنما يعاتب الأديم ذو البشرة. يقال عتبت على فلان واستعتبته إذا أنكرت منه فعلاً واستنزلته عنه وأردت إصلاحه وأعتبك فلان إذا صار لك إلى ما تحب وزال عما تكره. الإعراب: فإن تولوا شرط وتقديره فإن تولوا لم يلزمك تقصير من أجل توليهم فإن الذي عليك هو البلاغ إلا أنه حذف الجزاء لدلالة الكلام عليه. للذين كفروا في محل الرفع لوقوع الإذن عليه. المعنى: ثم عدَّد سبحانه نعماً أخر أضافها إلى ما عدَّده قبل من نعمه فقال { والله جعل لكم مما خلق } من الأشجار والأبنية { ظلالاً } أي أشياء تستظلون بها في الحرّ والبرد { وجعل لكم من الجبال أكناناً } أي مواضع تسكنون بها من كهوف وثقوب وتأوون إليها { وجعل لكم سرابيل } أي قميصاً من القطن والكتان والصوف عن ابن عباس وقتادة { تقيكم الحر } ولم يقل وتقيكم البرد لأن ما وقي الحر وقى البرد وإنما خصَّ الحر بذلك مع أن وقايتها للبرد أكثر لأن الذين خوطبوا بذلك أهل حرٍّ في بلادهم فحاجتهم إلى ما يقي الحر أكثر عن عطاء على أن العرب تكتفي بذكر أحد الشيئين عن الآخر للعلم به كما قال الشاعر:
وما أدْرِي إذا يَمَّمْتُ أرْضاً   أُرِيدُ الْخَيْرَ أيهمـــا يَلِينـــي
فكنّى عن الشر ولم يذكره لأنه مدلول عليه ذكره الفراء { وسرابيل تقيكم بأسكم } يعني دروع الحديد تقيكم شدة الطعن والضرب وتدفع عنكم سلاح أعدائكم { كذلك } أي مثل ما جعل لكم هذه الأشياء وأنعم بها عليكم { يتم نعمته عليكم } يريد نعمة الدنيا ويدل عليه قوله: { لعلكم تسلمون } قال ابن عباس معناه لعلكم يا أهل مكة تعلمون أنه لا يقدر على هذا غيره فتوحدوه وتصدقوا رسوله. { فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين } هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ومعناه فإن أعرضوا عن الإيمان بك يا محمد والقبول عنك وعن التدبر لما عددته في هذه السورة من النعم وبينت فيها من الدلالات فلا عتب عليك ولا لوم فإنما عليك البلاغ الظاهر وقد بلغت كما أمرت والبلاغ الاسم والتبليغ المصدر مثل الكلام والتكليم.

السابقالتالي
2