الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ }

القراءة: قد ذكرنا القراءة في أمهاتكم في سورة النساء وقرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب وسهل وخلف { ألم تروا } بالتاء والباقون بالياء وقرأ أهل الكوفة وابن عامر ظعنكم ساكنة العين والباقون بفتح العين. الحجة: من قرأ { ألم تروا } بالتاء فإنه يدل عليه ما قبله من قوله: { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ولعلكم تشكرون } ومن قرأ بالياء فإنه على وجه التنبيه لمن تقدم ذكرهم من الكفار والظعَن والظعن بفتح العين وسكونها لغتان ومثله النهر والنهر والشمع والشمع قال الأعشى:
فَقَدْ أشْرَبُ الرّاحَ قَدْ تَعْلَمِينَ   يَـوْمَ المَقــامِ وَيـَوْمَ الظَّعَنْ
قال أبو علي: ولا يجوز أن يكون الظعن مخففاً عن الظعن كما أن عَضْداً مخففاً عن عضُد وكتفاً مخففاً عن كتف. ألا ترى أن من قال ذلك لم يخفف نحو جمل ورسن كما أن الذي يقول والليل إذا يسر وذلك ما كنا نبغ لا يقول والليل إذا يغش وحرف الحلق وغيره في ذلك سواء. اللغة: الأمهات أصله الأمات ولكن الهاء زيدت مؤكدة كما زادوها في أهرقت الماء والأصل أرقت الماء والأفئدة جمع فؤاد كما يقال غراب وأغربة ولم يجمع الفؤاد على أكثر العدد لم يقل فيه فئدان كما قالوا غربان. الجو الهواء البعيد من الأرض وأبعد منه السُكاك واللُّوح وواحد السكاك سكاكة عن الزجاج قال الشاعر:
وَيْلُمـِّها فِـي هَـواءِ الجـَوِّ طالِبَةً   وَلا كَهذَا الَّذِي فِي الأرْضِ مَطْلُوبُ
والسكن كل ما يسكن إليه والسكن أيضاً المسكن. قال الفراء: السكن بفتح الكاف الدار وبسكونها أهل الدار ومنه الحديث: " إن الرمانة لتشبع السكن " وأصله من السكون الذي هو ضد الحركة وهما من جنس الأكوان التي يكون الجسم بها كائناً في الجهات ومنه السكين لأنه يسكن حركة المذبوح والأثاث متاع البيت الكثير من قولهم شعر أثيث أي كثير وأثَّ النّبتُ يَإثُّ أثّاً إذا كثر والتف وكذلك الشعر ولا واحد للأثاث كما أنه لا واحد للمتاع قال لشاعر:
أهاجَتْكَ الظَّعائِـنَ يــَـوْمَ بانُوا   بِذِي الرِّئْيِ الْجَمِيلِ مِن الأثاثِ
الإعراب: قوله: { لا تعلمون شيئاً } في موضع نصب على الحال من الكاف والميم وقوله: { شيئاً } يجوز أن يكون منتصباً على المصدر أي لا تعلمون علماً ويجوز أن يكون مفعولاً ويكون تعلمون بمعنى تعرفون لاقتصاره على مفعول واحد وأثاثاً ومتاعاً نصب بجعل أي يجعل لكم أثاثاً ومتاعاً. المعنى: ثم عدد سبحانه نعماً له أخر فقال { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم } منعماً عليكم بذلك وأنتم { لا تعلمون شيئاً } من منافعكم ومضاركم في تلك الحال { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } أي تفضل عليكم بالحواس الصحيحة التي هي طرق إلى العلم بالمدركات وتفضل عليكم بالقلوب التي تفقهون بها الأشياء إذ هي محل المعارف { لعلكم تشكرون } أي لكي تشكروه على ذلك وتحمدوه.

السابقالتالي
2