الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } * { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } * { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }

القراءة: قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وسهل نسقيكم بفتح النون ها هنا وفي المؤمنين والباقون نسقيكم بضمها في الموضعين وقرأ أبو جعفر في المؤمنين تسقيكم بالتاء. الحجة: قيل بين سقيت وأسقيت فرق وهو أن سقيته معناه ناولته ليشرب وأسقيته معناه جعلت له ماء يشربه وقيل سقيته ماء وأسقيته سألت الله أن يسقيه وعليه بيت ذي الرمة:
وَأُسْقِيهِ حَتّى كادَ مِمّا أَبُثـُـهُ   تُكَلِّمُني أَحْجارُهُ وَمَلاعِبُه
وقيل إذا سقاه مرة يقول سقيته وإذا سقاه دائماً يقال أسقيته عن أبي عبيدة وقيل هما بمعنى واحد واستدل ببيت لبيد:
سَقى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقى   نُمَيْـراً وَالقَبـائِلَ مِـنْ هِلالِ
فإِنه أتى باللغتين. اللغة: العبرة والعظة من النظائر وهو ما يعتبر به والفرث الثفل الذي ينزل إلى الكرش وساغ الطعام في الحلق وسوغته وأسغته السكر في اللغة على أربعة أوجه الأول: ما أسكر من الشراب والثاني: ما طعم من الطعام قال الشاعر:
جَعَلْـت عَيْـبَ الأكْرَميــن سَكَــرا   
أي أعلت ذمهم طُعْماً لك والثالث: السكون ومنه ليلة ساكرة أي ساكنة قال الشاعر:
وَلَيْسَــتْ بِطَلـقٍ وَلا ساكِــرَه   
ويقال سكرت الريح سكنت قال:
وَجَعَلَــتْ عَيْـنُ الحَـرُورِ تَسْكُـرُ   
والرابع: المصدر من قولك سكر سكراً ومنه التسكير التحيير في قوله سكرت أبصارنا والذلل جمع الذلول يقال دابة ذلول بيّن الذل ورجل ذلول بيّن الذل والذلة والرذل الدون الرديء وكذلك الرذال يقال رذل الشيء يرذل رذالة وأرذلته أنا. الإعراب: الهاء في بطونه إلى ماذا يعود اختلف فيه فقيل إن الأنعام جمع والجمع يذكر ويؤنث فجاء ها هنا على لغة من يذكر وجاء في سورة المؤمنين على لغة من يؤنث وقيل إنه رد على أحد الأنعام وأنشد للراجز:
وَطـابَ ألبَـانُ اللِّقـاحُ فَبَــرَدْ   
رده إلى اللبن عن الفراء وقيل إن الأنعام والنعم سواء فحمل على المعنى كما قال الصلتان العبدي:
إِنَّ السَّمــاحَة وَالمُــرُوءَةَ ضُمِّنا   قَبْراً بِمَرْو عَلَى الطَّرِيقِ الواضِحِ
فكأنه قال شيئان ضمناً وقال الأعشى:
فَإِنْ تَعْهَدينِي وَلي لِمَّةٌ   فَإِنَّ الحَوادِثَ أوْدَى بِها
حمله على الحدثان ويجوز أن يكون التقدير نسقيكم مما في بطون المذكور وقيل إن من يدل على التبعيض فكأنه قال نسقيكم مما في بطون بعض الأنعام لأنه ليس لجميعها لبن وقوله تتخذون منه الضمير في منه إلى ماذا يعود فيه وجهان أحدهما: أنه يعود إلى المذكور والثاني: أنه يعود إلى معنى الثمرات لأن الثمرات والثمر سواء وكذا الهاء في قوله فيه شفاء للناس قيل يعود إلى الشراب وهو العسل وقيل يعود إلى القرآن فإذا عاد الضمير إلى الشراب ارتفع شفاء بالظرف على المذهبين وتقديره شراب ثابت فيه شفاء وإذا عاد الضمير إلى القرآن ففي رفع شفاء خلاف فإن الظرف لم يجر على مذكور قبله لكيلا يعلم بعد علم شيئاً إن نصبت شيئاً بعلم وهو مذهب سيبويه كنت قد أعملت الثاني وأضمرت المفعول في يعلم على شريطة التفسير وإن أعملت يعلم وهو مذهب الفراء أضمرت لعلم مفعولاً وفصلت بين المعمول والعامل فجمعت بين مجازين بخلاف مذهب سيبويه.

السابقالتالي
2 3 4