الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

المعنى: { إن إبراهيم كان أمة } اختلف في معناه فقيل قدوة ومعلماً للخير قال ابن الأعرابي يقال للرجل العالم أمة وهو قول أكثر المفسرين وقيل أراد إمام هدى عن قتادة وقيل سمّاه أمة لأن قوام الأمة كان به وقيل لأنه بعمل أمته وقيل لأنه انفرد في دهره بالتوحيد فكان مؤمناً وحده والناس كفاراً عن مجاهد { قانتاً لله } أي مطيعاً له دائماً على عبادته عن ابن مسعود وقيل مصلياً عن الحسن { حنيفاً } أي مستقيماً على الطاعة وطريق الحق وهو الإِسلام { ولم يك من المشركين } بل كان موحداً. { شاكراً لأنعمه } أي لأنعم الله معترفاً بها { اجتباه } الله أي اختاره الله واصطفاه { وهداه إلى صراط مستقيم } أي دلَّه إلى الدين المستقيم وهو الإِسلام والتوحيد. { وآتيناه } أي أعطيناه { في الدنيا حسنة } أي نعمة سابغة في نفسه وفي أولاده وهو قول هذه الأمة كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وقيل هي النبوة والرسالة عن الحسن وقيل هي أنه ليس من أهل دين إلا وهو يرضاه ويتولاه عن قتادة وقيل هي تنويه الله بذكره بطاعته لربه ومسارعته إلى مرضاته حتى صار إماماً يقتدى به ويهتدى بهداه وقيل هي إجابة الله دعوته حتى أكرم بالنبوة ذريته { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } ولم يقل لفي أعلى منازل الصالحين مع اقتضاء حاله ذلك ترغيباً في الصلاح فإنه عزَّ اسمه بيَّن أنه { ع } من جملة الصالحين مع علو رتبته وشرف منزلته تشريفاً لهم وتنويهاً بذكر من هو منهم وناهيك بهذا الترغيب في الصلاح وبهذا المدح لإِبراهيم { ع } أن يشرف جملة هو منها حتى يصير الاستدعاء إليها بأنه فيها. { ثم أوحينا إليك } يا محمد { أن اتبع ملة إبراهيم } أي أمرناك باتباع ملة إبراهيم { حنيفاً } أي مستقيم الطريقة في الدعاء إلى توحيد الله وخلع الأنداد له وفي العمل بسنته { وما كان } إبراهيم { من المشركين } ومتى قيل إن نبينا كان أفضل منه فكيف أمر الفاضل باتباع المفضول فجوابه أن إبراهيم { ع } سبق إلى اتباع الحق ولا يكون في سبق المفضول إلى متابعة الحق زراية على الفاضل في اتباعه. { إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } معناه إنما جعل السبت لعنة ومسخاً على الذين اختلفوا فيه وحرموه ثم استحلُّوه فلعنهم الله ومسخهم عن الحسن ويجوز أن يكون اختلافهم فيه أنهم نهوا عن الصيد فيه فنصبوا الشباك يوم الجمعة ودخل فيه السمك يوم السبت وأخذوه يوم الأحد وقيل معناه إنما فرض تعظيم السبت على الذين اختلفوا في أمر الجمعة وهم اليهود وكانوا قد أمروا بتعظيم الجمعة فعدلوا عما أمروا به عن مجاهد وابن زيد وقيل إن الذين اختلفوا فيه هم اليهود والنصارى قال بعضهم السبت أعظم الأيام لأن الله سبحانه فرغ فيه من خلق الأشياء وقال الآخرون بل الأحد أعظم لأنه ابتدأ بخلق الأشياء فيه فهذا اختلافهم { وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } من أمور دينهم ويفصل بين المحق والمبطل منهم.

السابقالتالي
2