الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

القراءة: قد ذكرنا الاختلاف في قوله:يغشي الليل والنهار } [الأعراف:54] في سورة الأعراف وقرأ ابن كثير وأبو عمر ويعقوب وحفص وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان جميعها بالرفع والباقون بالجر في الجميع وقرأ حفص صنوان بضم الصاد وكذلك الحلواني عن القواس وقرأ الباقون بكسر الصاد وفي الشواذ قراءة الحسن وقتادة صنوان وقرأ يسقى بالياء ابن عامر وزيد ورويس عن يعقوب وقرأ الباقون تسقى بالتاء وقرأ أهل الكوفة غير عاصم وروح عن يعقوب ويفضل بالياء والباقون بالنون. الحجة: قال أبو علي من رفع قوله وزرع فتقديره وفي الأرض زرع ونخيل صنوان فجعله محمولاً على قوله وفي الأرض قطع ولم يجعله محمولاً على ما في الجنات من الأعناب والجنة على هذا تقع على الأرض التي فيها الأعناب دون غيرها كما تقع على الأرض التي فيها الأعناب والنخيل دون غيرهما ويقوي ذلك قول زهير:
كَــأَنَّ عَيْنَــيَّ فـي غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ   مِنَ النَّوَاضِحِ تَسْقي جَنَّةً سُحُقا
فالمعنى تسقي نخيل جنة فأما من قرأ بالجرّ فإنه حمل النخيل والزرع على الأعناب فكأنه قال جنات من أعناب من زرع ونخيل والدليل على أن الأرض إذا كان فيها النخل والكرم والزرع سميت جنة قوله:جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً } [الكهف:32] فكما سميت الأرض ذات العنب والنخل والزرع جنة كذلك يكون النخيل والزرع محمولين على الأعناب فتكون الجنة من هذه الأشياء ويقوي ذلك قوله:
أَقْبَلَ سَيْلٌ جاءَ مِنْ أَمْرِ الله   يَحْــرِدُ حَــرْدَ الْجَنَّةِ المُغِلَّهْ
والغلة إنما هي ما يكال بالقفيز في أكثر الأمر قال والصنوان فيما يذهب إليه أبو عبيدة صفة للنخيل والمعنى أن يكون من أصل واحد ثم يتشعب من الرؤوس فيصير نخلاً ونخلين قال وقال يسقى بماء واحد لأنها تشرب من أصل واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل وهي التمر. وأجاز غيره أن يكون الصنوان من صفة الجنات وكأنه يكون يراد به في المعنى ما في الجنات وإن جرى على لفظ الجنات وعلى هذا يجوز أن ترفع وإن جررت النخيل لأن الجنات مرفوعة ولم يحك هذا في قراءة السبعة. وأما الكسرة التي في صنوان فليست التي كانت في صنو كما أن الكسرة التي في قنو ليست في قنوان لأن تلك قد حذفت في التكسير وعاقبتها الكسرة التي يجتلبها التكسير وكذلك الكسرة التي في هجان وأنت تريد الجمع ليست الكسرة التي كانت في الواحد ولكنه مثل الكسرة التي في ظراف إذا جمعت عليه ظريفاً وأما من ضم الصاد من صنوان فإنه جعله مثل ذئب وذؤبان وربما تعاقب فِعلان وفُعلان على البناء الواحد نحو حش وحُشان وحِشان وأما صنَوان بفتح الصاد فليست من أمثلة الجمع المكسر فإن صحَّ ذلك فإنه يكون اسماً للجمع لا مثالاً له من أمثلة التكسير فيكون بمنزلة الجامل والسامر ومثله قولهم السعدان والضمران في الجمع ومن قرأ تسقى بالتاء فالمراد تسقى هذه الأشياء ومن قرأ بالياء حمله على الزرع وحده.

السابقالتالي
2 3