الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } * { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }

اللغة: الإنابة الرجوع إلى الحق بالتوبة انتاب فلان القوم أتاهم مرة بعد مرة ويقال ناب ينوب نوبة إذا رجع مرة بعد مرة وطوبى فعلى من الطيب وهو تأنيث الأطيب ولم يغيروا طوبى بأن يقولوا طِيبى كما قالوا ضيزى فقلبوا الواو ياء والضمة كسرة لأن طوبى اسم وضيزى صفة فرَّقوا بين الاسم والصفة. الإعراب: { الذين آمنوا } في موضع نصب رداً على مَنْ. المعنى يهدي إليه الذين آمنوا وإلا حرف تنبيه وابتداء وحسن مآب عطف على طوبى لأن طوبى في موضع رفع. المعنى: لما ذكر سبحانه الذين يوفون بعهد الله ووصفهم بالصفات التي يستحقون بها الجنة عقَّبه بذكر من هو على خلاف حالهم فقال { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل } قد ذكرنا معنى عهد الله وميثاقه وصلة ما أمر الله به أن يوصل { ويفسدون في الأرض } بالدعاء إلى غير الله عن ابن عباس وقيل بقتال النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن الحسن وقيل بالعمل فيها بمعاصي الله والظلم لعباده وإخراب بلاده وهذا أعم. { أولئك لهم اللعنة } وهي الإبعاد من رحمة الله والتبعيد من جنته { ولهم سوء الدار } أي عذاب النار والخلود فيها { الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } أي يبسط الرزق على من يشاء من عباده بحسب ما يعلم من المصلحة ويضيقه على آخرين إذا كانت المصلحة في التضييق { وفرحوا بالحياة الدنيا } أي فرحوا بما أوتوا من حطام الدنيا فرح البطر ونسوا فناءه وبقاء أمر الآخرة وتقديره وفرح الذين بسط لهم في الرزق في الحياة الدنيا { وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع } أي ليست هذه الحياة الدنيا بالإضافة إلى الحياة الآخرة إلا قليل ذاهب لأن هذه فانية وتلك دائمة باقية عن مجاهد. وقيل إنه مذكور على وجه التعجب أي عجباً لهم أن فرحوا بالدنيا الفانية وتركوا النعيم الدائم والدنيا في جنب الآخرة متاع لا خطر له ولا بقاء له مثل القدح والقصعة والقدر يتمتع به زماناً ثم ينكسر عن ابن عباس. { ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه } أي هلا أنزل على محمد معجزة من ربه يقترحها ويجوز أنهم لم يتفكروا في الآيات المنزلة فاعتقدوا أنه لم ينزل عليه آية ولم يعتدوا بتلك الآيات فقالوا هذا القول جهلاً منهم بها { قل } يا محمد { إن الله يضل من يشاء } عن طريق الجنة بسوء أفعاله وعظم معاصيه وقد مضى القول في وجوه الإضلال والهدى فلا معنى لإعادته. { ويهدي إليه من أناب } أي رجع إليه بالطاعة { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } معناه الذين اعترفوا بتوحيد الله على جميع صفاته ونبوة نبيه وقبول ما جاء به من عند الله وتسكن قلوبهم بذكر الله وتأنس إليه والذكر حصول المعنى للنفس وقد يسمى العلم ذكراً والقول الذي فيه المعنى الحاضر للنفس أيضاً يسمى ذكراً وقد وصف الله المؤمن ها هنا بأنه يطمئن قلبه إلى ذكر الله ووصفه في موضع آخر بأنه إذا ذكر الله وجل قلبه لأن المراد بالأول أنه يذكر ثوابه وأنعامه وآلاءه التي لا تحصى وأياديه التي لاتجازى فيسكن إليه وبالثاني أنه يذكر عقابه وانتقامه فيخافه ويوجل قلبه.

السابقالتالي
2 3