الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } * { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } * { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } * { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }

اللغة: الألباب العقول ولب الشيء أجلّ ما فيه وأخلصه وأجوده ولب الإنسان عقله لأنه أجل ما فيه ولب الخلة قلبها والميثاق العهد الواقع على أحكام والوصل ضم الثاني إلى الأول من غير فاصلة والخوف والخشية والفزع نظائر وهو انزعاج النفس بما لا يأمن منه من الضرر والسوء ورود ما يشق على النفس والحساب إحصاء ما على العامل وله وهو ها هنا إحصاء ما على المجازي وله والسر هو إخفاء المعنى في النفس ومنه السرور لأنه لذة تحصل للنفس ومنه السرير لأنه مجلس سرور والدرء الدفع والعدن الإقامة الطويلة. وعدَن بالمكان يَعْدُن عدناً ومنه المعدن والصلاح استقامة الحال والمصلح من فعل الصلاح الذي يدعو إليه العقل والشرع والصالح المستقيم الحال في نفسه والعقبى فعلى من العاقبة وهو الانتهاء الذي يؤدي إليه الابتداء من خير أو شر. الإعراب: موضع الذين يوفون رفع لأنه صفة لقوله: { أولوا الألباب } وقيل إنه صفة لمن يعلم وابتغاء نصب لأنه مفعول له وجنات عدن بدل من عقبى ومن صلح موضعه رفع عطفاً على الواو في قوله يدخلونها وجائز أن يكون نصباً بأنه مفعول معه كما تقول قد دخلوا وزيداً أي مع زيد والباء في قوله بما صبرتم يتعلق بمعنى سلام لأنه دل على السلامة لكم بما صبرتم ويحتمل أن يتعلق بمحذوف على تقدير هذه الكرامة لكم بما صبرتم وما في قوله بما صبرتم مصدرية تقديره بصبركم وقيل إنه بمعنى الذي كأنه قال بالذي صبرتم على فعل طاعاته وتجنب معاصيه. المعنى: ثم بيَّن سبحانه الفرق بين المؤمن والكافر فقال { أفمن يعلم أنما أنزل إليك } يا محمد { من ربك الحق كمن هو أعمى } عنه أخرج الكلام مخرج الاستفهام والمراد به الإنكار أي لا يكونان مستويين فإن الفرق بينهما هو الفرق بين الأعمى والبصير لأن المؤمن يبصر ما فيه رشده فيتبعه والكافر يتعامى عن الحق فيتبع ما فيه هلاكه { إنما يتذكر أولوا الألباب } أي إنما يتفكر فيه ويستدل به ذوو العقول والمعرفة قال علي بن عيسى وفي هذا حثُّ على طلب العلم وإلزام له لأنه إذا كانت حال الجاهل كحال الأعمى وحال العالم كحال البصير وأمكن هذا الأعمى أن يستفيد بصراً فما الذي يقعده عن طلب العلم الذي يخرجه عن حال العمى بالجهل إلى حال البصير. { الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق } أي يؤدّون ما عهد الله إليه وألزمهم إياه عقلاً وسمعاً فالعهد العقلي ما جعله في عقولهم من اقتضاء صحة أمور وفساد أمور أخر كاقتضاء الفعل للفاعل وإن الصنائع لا بدَّ أن ترجع إلى صانع غير مصنوع وإلا أدَّى إلى ما لا يتناهى وأن للعالم مدبِّراً لا يشبهه.

السابقالتالي
2 3