الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } * { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر يوقدون بالياء والباقون بالتاء. الحجة: قال أبو علي من قرأ بالتاء فلما قبله من الخطاب وهو قوله: { قل أفاتخذتم } ويجوز أن يكون خطاباً عاماً يراد به الكافة كأن المعنى ومما توقدون عليه أيها الموقدون زبد مثل زبد الماء الذي يحمله السيل ومن قرأ بالياء فلأن ذكر الغيبة قد تقدّم في قوله أم جعلوا لله شركاء ويجوز أن يراد به جميع الناس ويقوي ذلك قوله { وأما ما ينفع الناس } فكما أن الناس يعمّ المؤمنين والكافرين كذلك الضمير في يوقدون وقال { ومما يوقدون عليه في النار } فجعل الظرف متعلقاً بيوقدون لأنه قد يوقد على ما ليس في النار كقولهفأوقد لي يا هامان على الطين } [القصص: 38] فهذا إيقاد يقال على ما ليس في النار وإن كان يلحقه وهجها ولهبها. اللغة: الوادي سفح الجبل العظيم المنخفض الذي يجتمع فيه ماء المطر ومنه اشتقاق الدية لأنه جمع المال العظيم الذي يؤدّى عن القتيل والقدر اقتران الشيء بغيره من غير زيادة ولا نقصان والوزن يزيد وينقص فإذا كان مساوياً فهو القدر وقرأ الحسن بقِدرها بسكون الدال وهما لغتان يقال أعطى قدر شبر وقَدْر شبر والمصدر بالتخفيف لا غير وهم يختصمون في القَدْر معاً بالسكون والحركة قال:
ألا يـا لَقَــوْم لِلنَّـوائِـبِ وَالْقَــدْرِ   وَلِلأمْرِ يَأْتي المرْءَ مِنْ حَيْثُ لا يَدْري
والاحتمال رفع الشيء على الظهر بقوة الحامل له ويقال علا صوته على فلان فاحتمله ولم يغضبه والزبد وضر الغليان وهو خبث الغليان ومنه زبد القدر وزبد السيل والجفاء ممدود مثل الغثاء وأصله الهمز يقال جفا الوادي جفاء قال أبو زيد يقال جفأت الرجل إذا صرعته وأجفأت القدر بزبدها إذا ألقيت زبدها عنها. قال الفراء كل شيء ينضم بعضه إلى بعض فإنه يجيء على فعال مثل الحطام والقماش والغثاء والجفاء والإيقاد إلقاء الحطب في النار واستوقدت النار واتقدت وتوقدت والمتاع ما تمتعت به والمكث الكون في المكان على مرور الزمان يقال مكث ومكُث وتمكث أي تلبث. الإعراب: قال جامع العلوم البصير قوله في النار متعلق بمحذوف في موضع الحال من الضمير المجرور بقوله عليه أي ومما توقدون عليه ثابتاً في النار ابتغاء حلية أي مبتغين حلية فهو مصدر في موضع الحال من الضمير في يوقدون ولا يجوز أن يكون قوله في النار من صلة يوقدون لأن المعنى ليس على ذلك فالمعنى أنهم يوقدون على الذهب في حال كونه في النار فافهمه من كلام أبي علي ولم يهتد إليه غيره. وقوله زبد مبتدأ ومثله نعت له والظرف الذي هو قوله مما توقدون خبره على قول سيبويه وهو مرتفع بالظرف على قول الأخفش وموضع جفاء نصب على الحال أي يذهب على هذه الحالة قال الشاعر:

السابقالتالي
2 3