الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } * { قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ } * { قَالُوۤاْ أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَآ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ } * { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { ٱذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }

القراءة: قرأ أبو جعفر وابن كثير إنك لأنت يوسف بكسر الهمزة وقرأ نافع ويعقوب غير زيد وسهل أنك بفتح الهمزة غير ممدود وقرأ أبو عمرو وقالون عن نافع وزيد عن يعقوب آأنك بالمد وقرأ الباقون أأنك بهمزتين وفي الشواذ قراءة أبي أنك أو أنت يوسف وقرأ ابن كثير وحده من يتقي بياء في الوصل والوقف والباقون بغير ياء فيهما. الحجة: يدل على الاستفهام قولـه أنا يوسف وإنما أجابهم عما استفهموا عنه قال أبو الحسن: في قولـه { وتلك نعمة تمنُّها علي } أنه على الاستفهام كأنه قال: أو تلك نعمة فيجوز أن يكون من قرأ أنك على هذا فيكون القراءتان متفقتين وقلَّما يحذف حرف الاستفهام فأما في القراءات فإنه يجري على مذهبهم في اجتماع الهمزتين وقد تقدم القول في ذلك وأما قراءة أبي فيكون على حذف خبر أن كأنه قال: إنك لغير يوسف أو أنت يوسف قال ابن جني: فكأنه قال: بل أنت يوسف فلما خرج مخرج التوقف قال: أنا يوسف وقد جاء عنهم حذف خبر أن قال الأعشى:
إنَّ مَحَــلاًّ وَإنَّ مُــرْتَحَـــلاً   وَإنَّ فِي السَّفَرِ إذْ مَضَوْا مَهَلا
أراد أن لنا محلاً وان لنا مرتحلاً قال أبو علي: قوله { من يتقي } لا يحمل على نحو قول الشاعر:
أَلَــمْ يَأْتِيــكَ وَالأَنْبــاءُ تُنْمــي   
لأن هذا ونحوه إنما يجيء في الشعر ولكن تجعل من موصولة فيكون بمنزلة الذي يتقي ويحمل المعطوف على المعنى لأن مَنْ يتقي، إذا كان مَنْ منزلة الذي، بمنزلة الجزء الجازم بدلالة أن كل واحد منهما يصلح دخول الفاء في جوابه فإذا اجتمعا في ذلك جاز أن يعطف عليه كما يعطف على الشرط المجزوم لكونه بمنزلة فيما ذكرناه ومثل ذلك قوله { فأصدَّق } وأكن حملت وأكن على موضع الفاء ومثله قول من قرأ ويَذَرْهم في طغيانهم جزماً ويجوز أن تقدر الضمة في قوله { ويصبر } وتحذفها للاستخفاف كما يخفف نحو عضد وسبع وجاز هذا في حركة الإِعراب كجوازه في حركة البناء وزعم أبو الحسن أنه سمع رسلنا لديهم يكتبون بإسكان اللام من رسلنا ويقوي ذلك قراءة من قرأ ويَتْقِه ألا ترى أنه جعل تَقَه بمنزلة كتف وعَلِم فاسكن فكذلك يسكن على هذا ويصبر. اللغة: الإزجاء في اللغة السوق والدفع قليلاً قليلاً ومنه قولهيزجي سحاباً } [النور: 43] قال النابغة:
وَهَبَّتِ الرّيـحُ مِــنْ تِلْقـاءِ ذِي أُرُلٍ   تُزْجِي مَعَ اللَّيْلِ مِنْ صُرَّادِها صِرَمَا
وفلان يزجّي العيش أي يدفع بالقليل ويكتفي به قال الأعشى:
الواهِبُ الْمِائَةَ الهِجانَ وَعَبْدَها   عُـــوذا يُــزَجّي خَلْفَها أَطْفالَها
أي يدفع وقال آخر:
وَحـاجَــةً غَيْــــر مُــزْجـــاةٍ مِــــنَ الحـــاجِ   
وإنما قيل ببضاعة مزجاة لأنها يسيرة ناقصة وإنما يجوز ذلك على دفع من أخذها والمن النعمة وأصله القطع لأنها تقطع المنعم عليه من حال بؤسه والإِيثار تفضيل أحد الشيئين على الآخر ونظيره الاختيار والاجتباء ونقيضه الإِيثار عليه وأصله من الأثر فإنه يؤثر من له أثر جميل والأثر الأخبار.

السابقالتالي
2 3 4 5