الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } * { وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }

القراءة: قرأ ابن كثير حيث نشاء بالنون والباقون بالياء. الحجة: قال أبو علي من قرأ بالياء فيشاء مسند إلى الغائب كما أن يتبوء كذلك ويقوي ذلك قولهوأورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء } [الزمر: 74] فكما أن قولـه { نشاء } وفق لفعل المتبوئين كذلك قوله { حيث يشاء } وفق لقوله: { يتبوأ } ومن قرأ بالنون فإنه على أحد وجهين إما أن يكون أسند المشيئة إليه وهو ليوسف في المعنى لأن مشيئته لما كانت بقوته واقداره عليه جاز أن ينسب إلى الله وإن كانت ليوسف في المعنى كما قال سبحانهوما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } [الأنفال: 17] فأضيف الرمي إلى الله لما كان بقوته وإن كان الرمي للنبي صلى الله عليه وسلم والآخر أن يكون الموضع المتبوأ موضع نسك وقرب فالمكث فيه قربة إلى الله تعالى فهو يشاؤه ويريده فأما اللام في قولـه: { مكنَّا ليوسف } وقوله:إنا مكنا له في الأرض } [الكهف: 84] فيجوز أن يكون على حد التي في قولـه:ردف لكم } [النمل: 72] وللرؤيا تعبرون } [يوسف: 43] يدل على ذلك قولـه:ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه } [الأحقاف: 26] وقولـه: { يتبوأ } في موضع نصب على الحال تقديره مكَّناه متبوءاً حيث يشاء وأما قولـه: { حيث يشاء } فيحتمل موضعه أمرين أحدهما أن يكون في موضع نصب بأنه ظرف والآخر أن يكون في موضع نصب بأنه مفعول به ويدل على جواز هذا الوجه قول الشماخ:
وَحَلاَّّءَهـا عَــنْ ذِي الأَراكَـةِ عامِـرٌ   أَخُو الخَضْرِ يَرْضى حَيْثُ تَكْبُو النَّواحِزُ
اللغة: الاستخلاص طلب خلوص الشيء من شائب الاشتراك كأنه يريد أن يكون خالصاً له وفي حديث سلمان الفارسي رض أنه كاتبه أهله على أربعين أوقية خلاص أي ما أخلصته النار من الذهب وكذلك الخلاصة، والمكين من المكانة وأصله التمكن في الأمر يقال مكن مكانة فهو مكين إذا كان له قدر وجاه يتمكن بهما مما يروم والتبوء اتخاذ منزل يرجع إليه وأصله من باء يبوء إذا رجع. المعنى: { وقال الملك ائتوني به } معناه أن الملك لما تبيَّن له أمانة يوسف وبراءته من السوء وعمله أمر بإحضاره فقال ائتوني به: { أستخلصه لنفسي } أي أجعله خالصاً لنفسي أرجع إليه في تدبير مملكتي وأعمل على إشارته في مهمات أموري { فلما كلَّمه } ههنا حذف معناه فلما جاء الرسول يوسف ودعاه خرج من السجن ودخل على الملك وكلَّمه وعرف فضله وأمانته وعقله لأنه استدل بكلامه على عقله وبعفته على أمانته { قال إنك اليوم لدينا مكين أمين } أي أنك عندنا ذو مكانة متمكن في المنزلة والقدر نافذ القول والأمر ظاهر الأمانة مأمون ثقة. قال: ابن عباس يريد مكنتك من ملكي وجعلت سلطانك فيه كسلطاني وائتمنتك فيه قال الكلبي: إن رسول الملك جاءه فقال له: قم فإن الملك يدعوك وألق ثياب السجن عنك والبس ثياباً جدداً فأقبل يوسف وتنظف من درن السجن ولبس ثيابه وأتى الملك وهو يومئذٍ ابن ثلاثين سنة فلما رآه الملك شاباً حدث السن قال يا غلام هذا تأويل رؤياي ولم يعلمه السحرة ولا الكهنة قال: نعم فأقعده قدامه وقصَّ عليه رؤياه.

السابقالتالي
2 3 4 5