الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } * { قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

القراءة: قرأ أبو جعفر وابن عامر يا أبت بفتح التاء والباقون بكسرها وابن كثير وقف على الهاء يا أبه والباقون بالتاء وروي في الشواذ عن أبي جعفر ونافع وطلحة بن سليمان أحد عَشْر بسكون العين والقراءة بفتحها وقرأ الكسائي إلا أبا الحارث وقتيبة بإمالة رؤياك والرؤيا في جميع القرآن وروى أبو الحارث عنه وفتح رؤياك وإمالة الباقي وقتيبة أمال للرؤيا تعبرون فقط وقرأ خلف في اختياره بإمالة ما فيه ألف ولام والباقون بالتفخيم وخفف الهمزة في جميع ذلك أبو جعفر وورش وشجاع والترمذي الا أن أبا جعفر يدغم الواو في الياء فيجعلها باء مشددة. الحجة: قال الزجاج: من قرأ يا أبت بكسر التاء فعلى الإضافة إلى نفسه وحذف الياء لأن ياء الإضافة تحذف في النداء وأما إدخال تاء التأنيث في الأب فإنما دخلت في النداء خاصة والمذكر قد يسمى باسم فيه علامة التأنيث ويوصف بما فيه تاء التأنيث فالاسم نحو نفس وعين والصفة نحو غلام يفعة ورجل ربعة فلزمت التاء في الأب عوضاً من ياء الإضافة والوقف عليها يا أبه بالهاء وإن كانت في المصحف بالتاء وزعم الفراء انك إذا كسرت وقفت بالتاء لا غير وإذا فتحت وقفت بالتاء والهاء ولا فرق بين الكسر والفتح وأما يا أبت بالفتح فعلى أنه أبدل من ياء الإضافة ألفاً ثم حذفت الألف كما يحذف ياء الإضافة وبقيت الفتحة. قال أبو علي: من فتح فله وجهان أحدهما: أن يكون مثل يا طلحة أقبل ووجه قول من قال يا طلحة أن هذا النحو من الأسماء التي فيها تاء التأنيث أكثر ما يدعى مرخماً فلما كان كذلك ردَّ التاء المحذوفة في الترخيم إليه وترك الآخر يجري على ما كان يجري عليه في الترخيم من الفتح فلم يعتد بالهاء وأقحمها، والوجه الآخر أن يكون أراد يا أبتا فحذف الألف كما يحذف التاء فتبقى الفتحة دالة على الألف كما أن الكسرة تبقى دالة على الياء والدليل على قوة هذا الوجه كثرة ما جاءت هذه الكلمة على هذا الوجه كقول الشاعر:
وهــل جــزع أن قـلــت وأبتــاهـمــا   
وقول الأعشى:
وَيــا أبَتَا لا تَـــزَلْ عِنْدَنـــا   فَإنّــا نَخافُ بِأَنْ تَخْتَرِمْ
وقول رؤبة:
يـــا أبتـــا عليـــك أو عساكـــا   
فلما كثرت هذه الكلمة في كلامهم ألزموها القلب والحذف على أن أبا عثمان قد رأى ذلك مطرداً في جميع هذا الباب وأما وقف ابن كثير على الهاء فلأن التاء التي للتأنيث يبدل منها الهاء في الوقف فيغيّر الحرف بذلك في الوقف كما غير التنوين إذا انفتح ما قبله بأن أبدل منه الألف ومن قرأ أحد عشر بسكون العين قال ابن جني سبب ذلك عندي أن الاسمين لما جعلا كالاسم الواحد وبنى الأول منهما لأنه كصدر الاسم من عجزه جعل تسكين أول الثاني دليلاً على أنهما قد صارا كالاسم الواحد وكذلك بقية العدد إلى تسعة عشر إلا اثني عشر واثنتي عشر فإنه لا يسكن العين لسكون الألف والياء قبلها قال الزجاج الرؤيا فيها أربع لغات رؤيا بالهمزة ورويا بالواو من غير همز وريا على الإدغام وريا بكسر الراء قال أبو علي الرؤيا مصدر كالبشرى والسقيا والبقيا والشورى إلا أنه لما صار اسماً لهذا التخيل في المنام جرى مجرى الأسماء كما أن درا لما كثر في كلامهم في قولهم لله درك جرى مجرى الأسماء وخرج من حكم الإعمال فلا يعمل واحد منهما إعمال المصادر ومما يقوي خروجه عن أحكام المصادر تكسيرهم لها رؤى فصار بمنزلة ظلم والمصادر في الأكثر لا تكسر والرؤيا على تحقيق الهمز فإن خففت قلبتها في اللفظ واواً ولم تدغم الواو في الياء وإن كانت قد تقدمتها ساكنة كما تقلب في نحو طيء ولي لأن الواو في تقدير الهمزة فهي لذلك غير لازمة، فلا يقع الاعتداد بها وقد كسر أولها قوم فقالوا: ريا فهؤلاء قلبوا الواو قلباً على غير وجه التخفيف ومن ثم كسروا الفاء كما كسروا من قولهم قَرْنٌ الْوى وقُرُونٌ ليُّ.

السابقالتالي
2 3 4