الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ } * { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } * { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ } * { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ }

القراءة: في الشواذ قراءة ابن يعمر وابن أبي إسحاق ونوح القارئ من قُبُلُ ومن دُبُرُ بثلاث ضمات من غير تنوين. الحجة: قال ابن جني ينبغي أن يكونا غايتين كقوله تعالىلله الأمر من قبل ومن بعد } [الروم: 4] كأنه يريد وقدَّت قميصه من دبره وإن كان قميصه قدّ من قبله فلما حذف المضاف إليه أعني الهاء وهي مرادة صار المضاف غاية بعد ما كان المضاف إليه غاية له. اللغة: القدُّ شقُّ الشيء طولاً مثل قد الأديم يقال قَدَّه يقُدُّه قدّاً فهو مقدود إذا كان ذاهباً في الطول على استواء وفي الحديث كانت ضربات علي بن أبي طالب ع أبكاراً كان إذا اعتلى قدَّ وإذا اعترض قطُّ والقِدّ بكسر القاف السير المقطوع طولاً والإلفاء المصادفة قال ذو الرمة:
وَمُطْعِــمُ الصَّيْــدِ هَبَّـالٌ لِبُغْيَتِهِ   أَلفْى أَباهُ بِذاكَ الْكَسْبِ يَكْتَسِبُ
أي وجد أباه والكيد طلب الشيء بما يكرهه كما طلبت المرأة يوسف بما يكرهه ويأباه والخطيئة العدول عما تدعو إليه الحكمة إلى ما تزجر عنه ويقال لصاحبه خطأ يخطأ خطأ فهو خاطئ إذا وقع ذلك منه عن قصد فإن وقع من غير قصد قيل أخطأ المقصد فهو مخطئ فأصل الخطأ العدول عن الغرض الحكمي بقصد أو غير قصد قال أمية:
عِبادُكَ يَخْطَؤُونَ وَأَنْتَ رَبٌ   بِكَفَّيْكَ الْمَنــايَـــا وَالْحُتُـــوُمُ
الإِعراب: إنما عطف قولـه { عذاب أليم } على الفعل لأن تقديره إلا السجن أو عذاب ومِنْ في قولـه قد من دبر ومن قبل لابتداء الغاية لأن ابتداء القد كان منها ومِنْ في قولـه { من الكاذبين } للتبعيض لأنه بعض الكاذبين ولم يقل وشهد شاهد أنه إن كان لأنه ذهب مذهب القول في الحكاية كما أن قولـهيوصيكم الله في أولادكم } [النساء: 11] كذلك والتقدير يوصيكم الله أن المال للذكر مثل حظ الأنثيين وقولـه: { إن كان قميصه } قال أبو العباس: المبرد معناه أن يكن وجاز ذلك في كان لأنها أم الباب كما جاز في التعجب ما كان أحسن زيداً ولم يجز ما أصبح أحسنه وقال أبو بكر السراج: إن يكن بمعنى أن يصبح قد قميصه من دبر. وقوله: { فلما رأى } الرؤية ههنا تحتمل أمرين أحدهما: أن تكون بمعنى رؤية العين فلا تكون رؤية العين رؤية للقد ويكون قولـه { قد من دبر } في موضع الحال وإنما يكون رؤية للقميص والآخر: أن يكون بمعنى العلم وتكون رؤية للقد وإنما قال من الخاطئين ولم يقل من الخاطئات لتغليب المذكر على المؤنث. المعنى: { واستبقا الباب } يعني تبادرا الباب أي طلب كل واحد من يوسف وامرأة العزيز السبق إلى الباب أما يوسف فإنه كان يقصد أن يهرب منها ومن ركوب الفاحشة وأما هي فإنما كانت تطلب يوسف لتقضي حاجتها منه وتقصد أن تغلق الباب وتمنعه من الخروج وتراوده ثانياً عن نفسه { وقدت قميصه من دبر } أي لحقت يوسف فجذبت قميصه وشقته طولاً من خلفه لأن يوسف كان هارباً وهي تعدو من خلفه.

السابقالتالي
2