الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ }

القراءة: قرأ أهل المدينة والشام هِيتَ لك بكسر الهاء وفتح التاء وقرأ ابن كثير هَيتُ لك بفتح الهاء وضم التاء وقرأ الباقون هَيْتَ لك بفتح الهاء والتاء وروي عن علي ع وأبي رجاء وأبي وائل ويحيى بن وثاب هئتُ لك بالهمزة وضم التاء وروي ذلك على خلاف فيه عن ابن عباس وعن عكرمة ومجاهد وقتادة وروي عن ابن عباس أيضاً هَيْتِ لك بفتح الهاء وكسر التاء وروي ذلك عن أبي الأسود وابن أبي إسحاق وأبن محيصن وعيسى الثقفي وروي أيضاً عن ابن عباس هَيَئْت لك أيضاً. الحجة: قال الزجاج في هيت لك لغات أجودها هَيْتَ لك بفتح الهاء والتاء قال الشاعر:
أَبْلِغْ أَمِيــرَ المُــؤْمِنيـــ   ـــنَ أَخَا العِــــراقِ إذا أتيْتا
إنَّ الْـــعِــــراقَ وَأَهْــلَــهُ   عُنْـقٌ إلَيْـكَ فَهَيْــتَ هَيْتـــا
أي فأقبل وتعال وحكى قطرب أنه أنشده بعض أهل الحجاز لطرفة:
لَيْسَ قَـوْمي بَالأَبْعــدِينَ إذا ما   قالَ داعٍ مِنَ الْعَشِيرَةِ هَيْـــتَ
هُـمْ يُجِيبُـونَ ذا هَلُمَّ سِـراعــاً   كَــالأَبابِيـــل لا تُغادِرُ بَيْتــا
فهذا شاهد لابن كثير وكلها أسماء سمى بها الفعل بمنزلة صه ومه وأيه والحركات في أواخرها لالتقاء الساكنين وأما الفتح فلأن قبل التاء ياء فهو كما قيل أين وكيف والكسر لأن الأصل في التقاء الساكنين حركة الكسر وأما الضم فلأنها في معنى الغايات كأنها قالت دعائي لك فلما حذفت الإِضافة وتضمنت هيت معناها بنيت على الضم كما بنيت حيث ومنذ وأما هئت بالهمزة وضم التاء ففعل تقول هئت أهيء هيئة أي تهيأت. وقالوا أيضاً: هئت أهاء كخفت أخاف وأما هَيَئْت لك ففعل صريح كقولك: أصلحت لك واللام تتعلق بنفس هيتَ وهيتُ وهيتِ وهئت كما يتعلق بنفس هلم في قولك هلم لك. اللغة: المراودة المطالبة بأمر بالرفق واللين ليعمل به ومنه المرود لأنه يعمل به ولا يقال في المطالبة بدين راوده وأصله من راد يرود طلب المرعى وفي المثل الرائد لا يكذب أهله وهو في الآية كناية عما تريده النساء من الرجال والتغليق إطباق الباب بما يعسر فتحه وإنما شدد ذلك لتكثير الإِغلاق أو للمبالغة في الإِيثاق. الإعراب: معاذ الله نصب على المصدر على تقدير أعوذ بالله معاذاً تقول عذت بالله عوذاً ومعاذاً وعياذاً ومعاذة. المعنى: ثم أخبر سبحانه عن امرأة العزيز وما همت به فقال: { وراودته التي هو في بيتها عن نفسه } أي وطالبت يوسف المرأة التي كان يوسف في بيتها عن نفسه وهي زليخا والمعنى طلبت منه أن يواقعها { وغلقت الأبواب } على نفسها وعليه باباً بعد باب قالوا: وكانت سبعة أبواب. وقيل: أراد باب الدار وباب البيت { وقالت هيت لك } أي هلم لك عن ابن عباس والحسن ومعناه أقبل وبادر إلى ما هو مهيأ لك { قال } يوسف { معاذ الله } أي أعتصم بالله وأستجير به مما دعوتني إليه وتقديره عياذاً بالله أن أجيب إلى هذا فكان ع أظهر الإِباء وسأل الله سبحانه أن يعيذه ويعصمه من فعل ما دعته إليه { إِنه ربي أحسن مثواي } الهاء عائدة إلى زوجها عند أكثر المفسرين ومعناه أن العزيز زوجك مالكي أحسن تربيتي وإكرامي وبسط يدي ورفع منزلتي فلا أخونه وإنما سمّاه رباً لما كان ثبت له عليه من الرق في الظاهر.

السابقالتالي
2