الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة يا بشرى بألف بغير ياء إلا أن حمزة والكسائي وخلف يميلون الراء وعاصم لا يميل والباقون يا بشراي بإثبات الياء وإثبات الألف وفي الشواذ قراءة الجحدري وابن أبي إسحاق والحسن يا بُشرَيَّ. الحجة: قال أبو علي من قرأ يا بشراي فأضاف إلى الياء التي للمتكلم كان للألف التي هي حرف الإعراب عنده موضعان من وجهين أحدهما: أن الألف في موضع نصب من حيث كان نداء مضافاً والآخر: أن يكون في موضع كسر من حيث كان بمنزلة حرف الإعراب الذي في غلامي والدليل على استحقاقها لهذا الموضع قولهم كَسَرتَ فيَّ فلولا أن حرف الإعراب الذي ولي ياء الإضافة في موضع كسر ما كسرت الفاء من فيَّ فلما كسرت كما كسرت من قولهم بفيك وكما فتحت من قولهم رأيت فاك لما كانت في موضع الفتحة التي في قولك رأيت غلامَك وانضمت في قولك هذا فوك لاتباعه الضمة المقدرة فيها كالتي في قولك هذا غلامُك كذلك كسرت في قولهم كَسَرتَ فِيَّ وهذا يدلك على أنه ليس يعرب من مكانين ألا ترى أنها تبعت حركة غير الإعراب في قولك كسرتَ فيَّ يا هذا كما تبعت حركة الإعراب في رأيت فاك ومن قال: يا بُشرى احتمل وجهين أحدهما: أن يكون في موضع ضم مثل يا رجلُ لاختصاصه بالنداء والآخر: أن يكون في موضع نصب وذلك لأنك أشعت النداء ولم تختص به كما فعلت في الوجه الأول فصار كقولـهيا حسرة على العباد } [يس: 30] إلا أن التنوين لم يلحق بُشرى لأنها لا تنصرف فأما من قرأ يا بُشْرَيَّ فإن تلك لغة هذيل قال أبو ذؤيب:
سبقُـوا هَـوَيَّ وأعْنَقوا لِسَبيلِهم   فَتُخَرِّمُوا وَلِكُـــلّ جَنْبٍ مَهجَعُ
وقال آخر:
يُطَوِّف بـي عِـكَبٌّ في مَعَـدٍّ   وَيَطْعُنُ بِالصُّمُلَّةِ في قَفَيّـا
فإِنْ لَمْ تَثْأَرا لِيَ مِنْ عِكَبٍّ   فَلا رُوّيتُمـا أَبَـداً صُـدِيّا
وأمثاله كثيرة. اللغة: الوارد الذي يتقدم الرفقة إلى الماء ليستقي وتقول أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر لتملأها ودلوتها إذا أخرجتها ملأى والبضاعة قطعة من المال تجعل للتجارة من بضعت الشيء إذا قطعته ومنه المبضع لأنه يبضع به العرق والشرى البيع قال الشاعر:
وَشَرَيْتُ بُرْداً لَيْتَنـــي   مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هامَهْ
والثمن بدل الشيء من العين أو الورق ويقال: في غيرهما أيضاً مجازا والبخس النقص من الحق يقال: بخسه في الكيل أو الوزن إذا نقصه من حقه فيهما. الإِعراب: قال الزجاج: معنى النداء في يا بشرى وما في معناها مما لا يجب ولا يعقل فإنه على تنبيه المخاطبين وتوكيد القصة إذا قلت يا عجباه فكأنك قلت اعجبوا يا أيها العجب هذا من حينك وكذلك إذا قلت يا بشرى فكأنك قلت أبشروا يا أيتها البشرى هذا من أبانك وبضاعة منصوب على الحال وتقديره وأَسروه جاعليه بضاعة، ودراهم في موضع جرّ بأنه بدل من ثمن ومعدودة صفة الدراهم وكانوا فيه من الزاهدين فيه ليست من صلة الزاهدين والمعنى وكانوا من الزاهدين ثم بيَّن في أيِّ شيء زهدوا فقال: فيه فكأنه قال زهدوا فيه وهذا في الظروف جائز ولا يجوز ذلك في المفعولات لو قلت: كنت زيداً من الضاربين لم يجز لأن زيداً من صلة الضاربين ولا تتقدم الصلة على الموصول.

السابقالتالي
2 3