الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

القراءة: قرأ أهل الكوفة وأبو جعفر كذبوا بالتخفيف وهي قراءة عليِّ وزين العابدين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وزيد بن علي وابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير وعكرمة والضحاك والأعمش وغيرهم وقرأ الباقون كذّبوا بالتشديد وهي قراءة عائشة والحسن وعطاء والزهري وقتادة. وروي عن ابن عباس بخلاف ومجاهد بخلاف كذبوا بالتخفيف وفتح الذال والكاف. وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب وسهل فنجي من نشاء بنون واحدة وتشديد الجيم، وفتح الياء وقرأ الباقون فننجي من نشاء بنونين وتخفيف الجيم وسكون الياء وفي الشواذ عن ابن محيصن فنجا بفتح النون والجيم والتخفيف وعن عيسى الثقفي ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة برفع الأحرف الثلاثة والقراءة بنصبها. الحجة: قال أبو علي: الضمير في ظنوا في قول من شدَّد كذبوا للرسل تقديره ظن الرسل أي تيقنوا أو ظنوا الظن الذي هو حسبان ومعنى كذبوا تلقوا بالتكذيب كقولهم جبنته خطأته وتكذيبهم إياهم يكون بأن يلقوا بذلك كقولهم له وأن نظنك لمن الكاذبين أو بما يدل عليه وإن خالفه في اللفظ ومن حجة التثقيل قولهفقد كذّبت رسل من قبلك } [فاطر: 4] وقولهفكذَّبوا رسلي } [سبأ: 45] وقولهإلا كذَّب الرسل } [ص: 14] وأما من خفف. فقال: كذبوا فهو من قولهم كذبتك الحديث أي لم أصدقك وفي التنزيل وقعد الذين كَذَبوا الله ورسوله وقياسه إذا اعتبر الخلاف أن يتعدى إلى مفعولين كما تعدى صدق في قولـهلقد صَدَق الله رسوله الرؤيا بالحق } [الفتح: 27] وقال الأعشى:
فَصَــدَقْتُهُ وَكَــذَبْتُهُ   وَالمَرءُ يَنْفَعُهُ كِذابُهُ
قال سيبويه: كذب يكذب كذباً وقالوا كِذاباً فجاؤوا به على فِعال وقد خفَّفه الأعشى وقال ذو الرمة:
وَقَدْ حَلَفْتُ بِاللَّـهِ مَيَّةُ مَا الَّذي   أَقُولُ لَـهـا إلاَّ الَّذي أَنا كاذِبُهُ
والضمير الذي في قوله { وظنوا أنهم } كذبوا للمرسل إليهم وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذَّبوهم فيما أخبروهم به من أنهم إن لم يؤمنوا أنزل بهم العذاب وإنما ظنّوا ذلك لما شاهدوه من إمهال الله إياهم وإملائه لهم فإن قلت كيف يجوز أن يحمل الضمير في ظنوا على أنه للمرسل إليهم الرسل والذين قد تقدَّم ذكرهم الرسل دون المرسل إليهم قيل إن ذلك لا يمتنع لأن ذكر الرسل يدل على المرسل إليهم لمقاربة إحدى الاسمين الآخر ولما في لفظ الرسل من الدلالة على المرسل إليهم وقد قال الشاعر:
أمِنْكَ البَرقُ أرْقُبُهُ فَهاجَا   فَبِـتُّ أخـالُهُ دَهْماً خِلاجا
أي بت أخال الرعد صوت دهم فاضمر الرعد ولم يجر له ذكر لدلالة البرق عليه لمقاربة لفظ كل واحد منهما للآخر وفي التنزيلسرابيل تقيكم الحرّ } [النحل: 2] واستغنى عن ذكر البرد لدلالة الحرّ عليه وإن شئت قلت إن ذكرهم قد جرى في قوله

السابقالتالي
2 3 4