الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

القراءة: قرأ حفص عن عاصم { إلا رجالاً نوحي إليهم } بالنون حيث كان وقرأ الباقون يوحى بالياء وفتح الحاء أفلا تعقلون ذكرنا الخلاف فيه في سورة الأنعام. الحجة: قال أبو علي: الوجه في النون قولـهإنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح } [النساء: 163] والوجه في الياء قولـهوأوحي إلى نوح } [هود: 36] وقل أوحي إليَّ } [الجن: 1]. اللغة: السبيل الطريق وهو المكان المهيأ للسلوك ودين الإسلام طريق يؤدي إلى الجنة والسبيل يذكر ويؤنث قال:
فَلا تَبْعـُـدْ فَكُـــلُّ بَنِي أُناسٍ   سَيَصْبَحُ سالِكاً تِلْكَ السَّبِيلا
والبصيرة ما يبصر به الشيء أي يعرف والسير المرور الممتد في جهة ومنه السير واحد السيور لامتداده في جهة. المعنى: ثم أمر سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يبيّن للمشركين ما يدعو إليه. فقال { قل } يا محمد لهم { هذه سبيلي } أي طريقي وسنتي ومنهاجي عن ابن زيد. وقيل: معناه هذه الدعوة التي أدعو إليها ديني وطريقي عن مقاتل والجبائي. ثم فسَّر ذلك بقوله { أدعو إلى الله على بصيرة } أي ادعو إلى توحيد الله وعدله ودينه على يقين ومعرفة وحجة قاطعة لا على وجه التقليد { أنا ومن اتبعني } أي أدعوكم أنا ويدعوكم أيضاً إليه من آمن بي ويذكر بالقرآن والموعظة وينهى عن معاصي الله. قال ابن الأنباري: ويجوز أن يتمَّ الكلام عند قوله { أدعو إلى الله } ثم ابتدأ. وقال: على بصيرة أنا ومن اتبعني وهذا معنى قول ابن عباس أنه يعني أصحاب محمد كانوا على أحسن طريقة. { وسبحان الله } معناه تنزيهاً لله عما أشركوا وتقديره قل هذه سبيلي وقل سبحان الله. وقيل: إنه اعتراض بين الكلامين والواو فيه مثل قولك. قال الله وهو منزه عن الشركاء سبحان الله { وما أنا من المشركين } الذين اتخذوا مع الله نِدّاً وكفوا وولداً وفي هذه الآية دلالة على فضل الدعاء إلى الله سبحانه وإلى توحيده وعدله ويعضد ذلك الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " العلماء أمناء الرسل على عباده " وفيها دلالة أيضاً على أنه ع كان يدعو إلى الله في كل أوقاته وإن كان يبين الشرائع في أوقات ما وفيها دلالة أيضاً على أن الواجب في السعي أن يكون على ثقة وبصيرة ودلالة قاطعة وذلك يوجب فساد التقليد. { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى } بيَّن سبحانه أنه إنما أرسل الرسل من أهل الأمصار لأنهم أرجح عقلاً وعلماً من أهل البوادي لبعد أهل البوادي عن العلم وأهله عن قتادة. وقال الحسن: لم يبعث الله نبياً قط من أهل البادية ولا من الجن ولا من النساء وذلك أن أهل البادية يغلب عليهم القسوة والجفاء وأهل الأمصار أحد فطناً.

السابقالتالي
2