الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } * { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } * { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } * { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } * { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

القراءة: قرأ أبو عمرو الدوري عن الكسائي يميل الناس في موضع الجر ولا يميل في الرفع والنصب والباقون لا يميلون. اللغة: الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفي وأصله الصوت الخفي من قول الأعشى:
تَسْمَعُ لِلْحَلْي وَسْواساً إذا انْصَرَفَتْ   كَمَــا اسْتَعانَ بِريـحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ
قال رؤبة:
وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصاً رَبَّ الْفَلَقْ   سِــرّاً وَقَدْ أوَّنَ تَأْويـــنَ الْعُقُــقْ
والوسوسة كالهمهمة ومنه قولهم فلان موسوس إذا غلب عليه ما يعتريه من المرة يقال وسوس وسواساً ووسوسة وتوسوس والخنوس الاختفاء بعد الظهور خنس يخنس ومنه الخنس في الأنف لخفائه بانخفاضه عندما يظهر بنتّوة وأصل الناس الأناس فحذفت الهمزة التي هي فأو يدلك على ذلك الإنس والأناس وأما قولهم في تحقيره نويس فإن الألف لما كانت ثانية زائدة أشبهت ألف فاعل فقلبت واواً. الإِعراب: قيل إن قوله { من الجنة } بدل من قوله { من شرّ الوسواس } فكأنه قال أعوذ بالله من شر الجنة والناس وقيل إن من تبين للوسواس والتقدير من شر ذي الوسواس الخناس من الجنة والناس أي صاحب الوسواس الذي من الجنة والناس فيكون الناس معطوفاً على الوسواس الذي هو في معنى ذي الوسواس وإن شئت لم تحذف المضاف فيكون التقدير من شر الوسواس الواقع من الجنة التي توسوسه في صدور الناس فيكون فاعل يوسوس ضمير الجنة وإنما ذكر لأن الجنة والجن واحد وجازت الكناية عنه وإن كان متأخراً لأنه في نية التقديم فجرى مجرى قولهفأوجس في نفسه خيفة موسى } [طه: 67] وحذف العائد من الصلة إلى الموصوف كما في قولهأهذا الذي بعث الله رسولاً } [الفرقان: 41] أي بعثه الله رسولاً. المعنى: { قل } يا محمد { أعوذ برب الناس } أي خالقهم ومدبّرهم ومنشئهم { ملك الناس } أي سيدهم والقادر عليهم ولم يجز هنا إلا ملك وجاز في فاتحة الكتاب ملك ومالك وذلك لأن صفة ملك تدل على تدبير من يشعر بالتدبير وليس كذلك مالك وذلك لأنه يجوز أن يقال مالك الثوب ولا يجوز ملك الثوب فجرت اللفظة في فاتحة الكتاب على معنى الملك في يوم الجزاء وجرت في هذه السورة على ملك تدبير من يعقل التدبير فكان لفظ ملك أولى هنا وأحسن ومعناه ملك الناس كلهم وإليه مفزعهم في الحوائج. { إله الناس } معناه الذي يجب على الناس أن يعبدوه لأنه الذي تحقُّ له العبادة دون غيره وإنما خصَّ سبحانه الناس وإن كان سبحانه ربّاً لجميع الخلائق لأن في الناس عظماء فأخبر بأنه ربهم وإن عظموا ولأنه سبحانه أمر بالاستعاذة من شرّهم فأخبر بذكرهم أنه الذي يعيذه منهم وفي الناس ملوك فذكر أنه ملكهم وفي الناس من يعبد غيره فذكر أنه إلههم ومعبودهم وأنه هو المستحق للعبادة دون غيره قال جامع العلوم النحوي وليس قوله { الناس } تكراراً لأن المراد بالأول الأجنة ولهذا قال { برب الناس } لأنه يربيهم والمراد بالثاني الأطفال ولذلك قال ملك الناس لأنه يملكهم والمراد بالثالث البالغون المكلفون ولذلك قال { إله الناس } لأنهم يعبدونه والمراد بالرابع العلماء لأن الشيطان يوسوس إليهم ولا يريد الجهال لأن الجاهل يضل بجهله وإنما تقع الوسوسة في قلب العالم كما قال فوسوس إليه الشيطان.

السابقالتالي
2 3