الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

القراءة: قرأ ابن كثير أبي لَهْب ساكنة الهاء والباقي بفتحها واتفقوا في ذات لهب أنها مفتوحة الهاء لوفاق الفواصل وقرأ عاصم حمالة الحطب بالنصب والباقون بالرفع وروي عن البرجمي { سيصلى } بضم الياء وهي قراءة أشهب العقيلي وأبي رجاء وفي الشواذ قراءة ابن مسعود ومُرَيْئَتُهُ حمالةٌ للحطب { في جيدها حبل من مسد } الحجة: قال أبو علي: يشبه أن يكون لَهَبَ وَلَهْب لغتين كالشَمَع والشَمْع والنَهَر والنَهْر واتفاقهم في الثانية على الفتح يدل على أنه أوجه من الإسكان وكذلك قوله ولا يغني من اللهب وأما { حمالة الحطب } فمن رفع جعله لقوله { وامرأته } ويدل على أن الفعل قد وقع كقولك مررت برجل ضارب عمراً أمس فهذا لا يكون إلا معرفة ولا يقدر فيه إلا الانفصال كما يقدر في هذا النحو إذا لم يكن الفعل واقعاً وأما ارتفاع امرأته فيحتمل وجهين أحدهما: العطف على فاعل سيصلى التقدير سيصلى ناراً هو وامرأته إلا أن الأحسن أن لا يؤكد لما جرى من الفصل بينهما ويكون { حمالة الحطب } على هذا وصفاً لها ويجوز في قوله { في جيدها } أن يكون في موضع حال وفيها ذكر منها ويتعلق بمحذوف ويجوز فيه وجه آخر وهو أن يرتفع امرأته بالابتداء { وحمالة } وصف لها { وفي جيدها } خبر المبتدأ وأما النصب في حمالة الحطب فعلى الذم لها كأنها كانت اشتهرت بذلك فجرت الصفة عليها للذم لا للتخصيص والتخليص من موصوف غيرها وقوله حبل معناه غليظ. رجل حبل الوجه وحبل الرأس. اللغة: التب والتباب الخسران المؤدّي إلى الهلاك والمسدّ الحبل من الليف وجمعه أمساد قال:
وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِـــنْ أَيانِــقِ   لَيْسَ بِأَنْيابٍ وَلا حَقائقِ
النزول: سعيد بن جبير عن ابن عباس قال " صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال: " يا صباحاه " فاقبلت إليه قريش فقالوا له ما لك فقال: " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدوّ مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدّقوني " قالوا: بلى قال: " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " " فقال أبو لهب: تبّاً لك لهذا دعوتنا جميعاً فأنزل الله هذه السورة أورده البخاري في الصحيح. المعنى: { تبت يدا أبي لهب وتب } أي خسرت يداه وخسر هو عن مقاتل وإنما قال خسرت يداه لأن أكثر العمل يكون باليد والمراد خسر عمله وخسرت نفسه بالوقوع في النار. وقيل: إن اليد هنا صلة كقولهم يد الدهر ويد السنة قال:
وأيدي الرزايا بالذخائر مولع   
وقيل: معناه صفرت يداه من كل خير قال الفراء: الأول دعاء والثاني خبر فكأنه قال أهلكه الله وقد هلك وفي حرف عبد الله وأبي وقد تبَّ. وقيل: إن الأول أيضاً خبر ومعناه أنه لم تكتسب يداه خيراً قطّ وخسر مع ذلك هو نفسه أي تبَّ على كل حال وأبو لهب هو ابن عبد المطلب عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم وكان شديد المعاداة والمناصبة له قال طارق المحاربي: بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وإذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول يا أيها الناس إنه كذاب فلا تصدّقوه فقلت من هذا فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذّاب وإنما ذكر سبحانه كنيته دون اسمه لأنها كانت أغلب عليه.

السابقالتالي
2 3