الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }

القراءة: قرأ الكسائي ويعقوب وسهل أنه عَمِلَ غيرَ صالح على الفعل ونصب غير والباقون عَمَل اسم مرفوع منون غير بالرفع وقرأ ابن كثير: فلا تسألنَّ مشددة النون مفتوحة وقرأ أبو عمرو ويعقوب وسهل فلا تسألني خفيفة النون مثبتة الياء وقرأ أهل الكوفة خفيفة النون بغير ياء وقرأ أهل المدينة غير قالون فلا تسألنّي مشددة النون مثبتة الياء وقرأ ابن عامر وقالون فلا تسألنّ مشددة النون مكسورة بغير ياء. الحجة: قال أبو علي من قرأ أنه عَمَلٌ فنوّن فالمراد أن سؤالك { ما ليس لك به علم } عملٌ غير صالح ويحتمل أن يكون الضمير في أنه لما دلَّ عليه قولـه { اركب معنا ولا تكن مع الكافرين } فيكون تقديره إن كونك مع الكافرين وانحيازك إليهم وتركك الركوب معنا والدخول في جملتنا عملٌ غير صالح ويجوز أن يكون الضمير لابن نوح كأنه جعل عملاً غير صالح كما يجعل الشيء الشيء لكثرة ذلك منه كقولهم الشعر زهير أو يكون المراد أنه ذو عمل غير صالح فحذف المضاف ومن قرأ أنه عَمِلَ غيرَ صالح فيكون في المعنى كقراءة من قرأ أنه عَمَلٌ غير صالح وهو يجعل الضمير لابن نوح وتكون القراءتان متفقتين في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ ومن ضعف هذه القراءة بأن العرب لا تقول هو يعمَل غير حسن حتى يقولوا عَمِلَ غيرَ حسن فالقول فيه أنهم يقيمون الصفة مقام الموصوف عند ظهور المعنى فيقول القائل قد فعلت صواباً وقلت حسناً بمعنى فعلت فعلاً صواباً وقلت قولاً حسناً قال عمر بن أبي ربيعة:
أَيُّهَا الْقائِــلُ غَيْرَ الصَّوابِ   أَخِّرِ النُّصْحَ وَأَقْلِلْ عِتابي
وقال أيضاً:
وكَــمْ مِــنْ قَتِيـلٍ مـا يُبـاء بِــه دَمٌ   وَمِـنْ غَلِـقٍ رَهْــنٍ إذا لَفَّـهُ مِنى
وَمِـنْ مَالِـىءٍ عَيْنَيْهِ مِن شَيْءٍ غَيْرِهِ   إذا رَاحَ نَحْـوَ الْجَمْـرَةِ البِيضُ كَالدُّمى
أراد وكم من انسان قتيل ونظائره كثيرة ومن قرأ { فلا تسألن } بفتح اللام ولم يكسر النون عدّى السؤال إلى مفعول واحد في اللفظ والمعنى على التعدي إلى مفعول ثانٍ ومن كسر النون ها هنا فإنه يدل على تعدية السؤال إلى مفعولين أحدهما: اسم المتكلم والآخر: اسم الموصول وحذفت النون المتصلة بياء المتكلم لاجتماع النونات كما حذفت النون من قولهم إني كذلك وكما حذفت النون من قوله:
يســــوءُ الفـاليــــات إذا فـلـيـنـــي   
وأما إثبات الياء في الوصل فهو الأصل وحذفها أخف والكسرة تدل عليها. الإعراب: قولـه: { ما ليس لك به علم } يحتمل قوله به في الآية وجهين أحدهما: أن يكون كقولـه:
كــان جزائــي بالعصــا أن أجـلــدا   
إذا قدمت بالعصا وكقولـه:وكانوا فيه من الزاهدين } [يوسف: 20] وإني لكما لمن الناصحين } [القصص: 20]وأنا على ذلكم من الشاهدين } [الأنبياء: 56] وزعم أبو الحسن أن ذلك إنما يجوز في حروف الجر والتقدير فيه التعليق بمضمر يفسره هذا الذي ظهر بعد وإن كان لا يجوز تسلطه عليه ومثل ذلك قولـه

السابقالتالي
2 3 4