الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } * { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ }

القراءة: قرأ حفص عن عاصم { من كل زوجين } منوناً وفي المؤمنين كذلك وقرأ الباقون من { كل زوجين } مضافاً وقرأ أهل الكوفة غير أبي بكر مجريها بفتح الميم والباقون بضم الميم واتفقوا على ضم الميم في مرسيها إلا ما يرى في الشواذ عن ابن محيصن أنه فتح الميم فيهما وقرأ عاصم { يا بني اركب معنا } بفتح الياء والباقون بالكسر. وروي عن علي بن أبي طالب ع وأبي جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام وعروة بن الزبير ونادى نوح ابنه وروي عن عكرمة ابنها وعن السدي ابناه وعن ابن عباس ابنه على الوقف. الحجة: الوجه في قراءة حفص ما قاله أبو الحسن إن الاثنين زوجان قال الله تعالىومن كل شيء خلقنا زوجين } [الذاريات: 49] والمرأة زوج الرجل والرجل زوجها قال وقد يقال للاثنين هما زوج قال لبيد:
مِنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ   زَوْجٌ عَلَيْهِ كِلَّةٌ وقِرامُها
قال أبو علي: من قرأ { من كل زوجين } كان قولـه { اثنين } مفعول الحمل والمعنى أحمل من الأزواج إذا كانت اثنين اثنين زوجين فالزوجان في قولـه { من كل زوجين } يراد بهما الشياع وليس يراد بهما الناقص عن الثلاثة ومثل ذلك قول الشاعر:
فَاعْمُدْ لِما يَعْلُو فَما لَكَ بِالَّذي   لا تَسْتَطِيعُ مِنَ الأُمُـورِ يَدانِ
إنما يريد تشديد انتفاء قوته عنه وتكثيره ويبين هذا المعنى قول الفرزدق:
وَكُلُّ رِفيقَيْ كُلِّ رَحْلٍ وَإِنْ هُما   تَعاطَــى القَنــا قَوْماً هُما أخَوانِ
فرفيقان اثنان لا يكونان رفيقي كل رحل وإنما يريد الرفقاء إذا كانوا رفيقين ومن نوَّن فقال { من كلِّ زوجين } فحذف المضاف إليه من كل ونوّن فالمعنى من كل شيء ومن كل زوج زوجين { اثنين } فيكون انتصاب اثنين على أنه صفة لزوجين فإن قلت فالزوجان قد فهم أنهما اثنان فكيف جاز وصفهما بقولـه { اثنين } فإنما جاز ذلك للتأكيد والتشديد كما قال:لا تتخذوا إلهين اثنين } [النحل: 51] وقد جاء في غير هذا من الصفات ما مصرفه إلى التأكيد كقولهم: أمس الدابر ونفخة واحدة ونعجة واحدة قالومناة الثالثة الأخرى } [النجم: 20] قال أبو علي ويجوز في قولـه: { بسم الله مجراها ومرساها } أن يكون حالاً من شيئين من الضمير الذي في قوله { اركبوا } ومن الضمير الذي في فيها فإن جعلت قوله { بسم الله } خبر مبتدأ مقدماً في قول من لم يرفع بالظرف أو جعلت قوله { مجراها } مرتفعاً بالظرف لم يكن { بسم الله مجراها } إلا جملة في موضع الحال من الضمير الذي في فيها ولا يجوز أن يكون من الضمير الذي في قولـه { اركبوا } لأنه لا ذكر فيها يرجع إلى الضمير ألا ترى أن الظرف في قوله: من رفع بالظرف قد ارتفع به الظاهر وفي قول من رفع في هذا النحو بالابتداء قد جعل في الظرف ضمير المبتدأ فإذا كان كذلك خلت الجملة من ذكر يعود إلى ذي الحال من الحال وإذا خلا من ذلك لم يكن إلا حالاً من الضمير الذي في فيها ويجوز أن يكون بسم الله حالاً من الضمير الذي في قولـه { اركبوا } على أن لا يكون الظرف خبراً عن الإسلام الذي هو مجراها على ما كان في الوجه الأول ويكون حالاً من الضمير على حدّ قولك خرج بثيابه وركب في سلاحه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6