الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } * { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } * { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }

اللغة: الابتئاس حزن في استكانة وأنشد أبو عبيدة:
ما يَقْسِمُ اللَّـهُ أقْبَلْ غَيْرَ مُبْتَئِسٍ   مِنْهُ وَأَقْعُدُ كَرِيماً ناعِمَ البالِ
وهو افتعال من البؤس وقد يكون البؤس بمعنى الفقر أيضاً والصنع جعل الشيء موجوداً بعد أن كان معدوماً، ومثله الفعل، وينفصلان من الحدوث من حيث إن الصنعة يقتضي صانعاً والفعل يقتضي فاعلاً من حيث اللفظ وليس كذالك الحدوث لأنه يفيد تجدد الوجود لا غير، والصناعة الحرفة التي يكتسب بها، والفلك السفينة ويكون واحداً وجمعاً والسخرية إظهار خلاف الإبطان على وجه يفهم منه استضعاف العقل ومنه التسخير التذليل يكون استضعافاً بالقهر، والفرق بين السخرية واللعب أن في السخرية خديعة واستنقاصاً ولا يكون إلا بحيوان وقد يكون اللعب بجماد والحلول النزول للمقام وهو من الحلّ خلاف الارتحال وحلول العرض وجوده في الجوهر من غير شغل حيز والمصحح للحلول التحيز. الإعراب: سوف ينقل الفعل من الحال إلى الاستقبال مثل السين سواء إلا أن فيه معنى التسويف وهو تعليق النفس بما يكون من الأمور من يأتيه. قيل: في مَنْ هذه قولان أحدهما: أن يكون بمعنى أيُّ فكأنه قال: أيُّنا يأتيه عذاب يخزيه والآخر: أن يكون بمعنى الذي والمعنى واحد ومَنْ إذا كانت للاستفهام استغنت عن الصلة كما استغنت كيف وكم عن الصلة وإذا كانت بمعنى الذي فلا بدَّ لها من الصلة لأن البيان مطلوب من المسؤول دون السائل. المعنى: { وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } أعلم الله سبحانه نوحاً أنه لن يؤمن به أحد من قومه في المستقبل { فلا تبتئس } أي لا تغتمّ ولا تحزن { بما كانوا يفعلون } والعقل لا يدلّ على أن قوماً لا يؤمنون في المستقبل وإنما طريق ذلك السمع فلما علم أن أحداً منهم لا يؤمن فيما بعد ولا من نسلهم دعا عليهم فقال:رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلُّوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً } [نوح: 26، 27] فلما أراد الله سبحانه إهلاكهم أمر نبيَّه باتخاذ السفينة له ولقومه فقال: { واصنع الفلك } أي اعمل السفينة لتركبها أنت ومن آمن بك { بأعيننا } أي بمرأى منا عن ابن عباس والتأويل بحفظنا إياك حفظ الرائي لغيره إذا كان يدفع الضرر عنه وذكر الأعين لتأكيد الحفظ. وقيل: أراد بالأعين الملائكة الموكلين بك وبحضرتهم وهم ينظرون بأعينهم إليك وإنما أضاف ذلك إلى نفسه إكراماً وتعظيماً لهم وقولـه { ووحينا } معناه وعلى ما أوحينا إليك من صفتها وحالها عن أبي مسلم. وقيل: المراد بوحينا إليك أن اصنعها وذلك ع أنه لم يعلم صنعة الفلك فعلَّمه الله تعالى عن ابن عباس أي فإنا نوحي إليك بما تحتاج إليه من طوله وعرضه وهيئته { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } أي لا تسألني العفو عن هؤلاء الذين كفروا من قومك ولا تشفع لهم فإنهم مغرقون عن قريب وهذا غاية في الوعيد كما يقول الملك لوزيره لا تذكر حديث فلان بين يدي.

السابقالتالي
2 3