الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ }

اللغة: الجدال والمجادلة المقابلة بما يفتل الخصم من مذهبه بحجة أو شبهة وهو من الجدل شدة الفتل. ويقال: للصقر أجدل لأنه من أشد الجوارح، والجدال والمراء بمعنى غير أن المراء مذموم لأنه مخاصمة في الحق بعد ظهوره كمري الضرع بعد دروره وليس كذلك الجدال والفرق بين الحجاج والجدال أن المطلوب بالحجاج ظهور الحجة والمطلوب بالجدال الرجوع عن المذهب، والإعجاز هو الفوت بالهرب والفرق بين افتراء الكذب وقول الكذب أن قول الكذب قد يكون على وجه تقليد الإنسان فيه لغيره وأما افتراء الكذب فهو افتعاله من قبل نفسه وأجرم وجرم بمعنى قال:
طَــريدُ عَشيــرَةٍ وَرَهينُ ذَنْبٍ   بِما جَرَمَتْ يَدِي وجَنَى لِساني
المعنى: ثم حكى الله سبحانه جواب قوم نوح عما قاله لهم فقال { قالوا يا نوح قد جادلتنا } أي خاصمتنا وحاججتنا { فأكثرت جدالنا } أي زدت في مجادلتنا على مقدار الكفاية وفي بعض الروايات عن ابن عباس { فأكثرت جدالنا } والمعنى واحد { فأتنا بما تعدنا } من العذاب { إن كنت من الصادقين } في أن الله تعالى يعذّبنا على الكفر أي فلسنا نؤمن بك ولا نقبل منك. { قال } نوح { إنما يأتيكم به الله إن شاء } أي لا يأتي بالعذاب إلا الله سبحانه متى شاء لا يقدر عليه غيره فإن شاء عجَّل وإن شاء أخر { وما أنتم بمعجزين } أي لا تفوتونه بالهرب { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } ذكر في تأويله وجوه أحدها: إن كان الله يريد أن يخيبكم من رحمته بأن يحرمكم ثوابه ويعاقبكم لكفركم به فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم وقد سمَّى الله سبحانه العقاب غيّاً بقولـه فسوف يلقون غيّاً ويشهد بصحة ما قلنا قول الشاعر:
فَمَنْ يَلْقَ خَيْراً يَحْمَدُ النَّاسُ أمْرَهُ   وَمَنْ يَغْوِ لا يَعْدَمْ عَلى الغَيِّ لائِما
ولما خيب الله سبحانه قوم نوح من رحمته وثوابه وأعلم الله نوحاً ع بذلك في قولـه { لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن } قال لهم: لا ينفعكم نصحي مع إيثاركم ما يوجب خيبتكم والعذاب الذي جره إليكم قبيح أفعالكم وإذا طرأ شرط على شرط كان الثاني مقدماً على الأول في المعنى وإن كان مؤخراً في اللفظ والتقدير ولا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم إن أردت أن أنصح لكم. وثانيها: أن المعنى إن كان الله يريد عقوبة إغوائكم الخلق وإضلالكم إياهم أي يريد عقوبتكم على ذلك ومن عادة العرب أن تسمي العقوبة باسم الشيء المعاقب عليه كما في قولـه سبحانهوجزاء سيئة سيئة مثلها } [الشورى: 40]ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } [آل عمران: 54] وقد مرّ فيما مضى أمثال ذلك.

السابقالتالي
2