الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } * { وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }

القراءة: قرأ أبو جعفر وزُلفاً بضم اللام والباقون بفتح اللام. الحجة: من قرأ زُلَفاً بفتح اللام فإنه جمع زلفة وهي المنزلة قال العجاج:
ناجٍ طَواهُ الأَيْنُ مِمَّا وَجَفا   طَيَّ اللَّيالِــي زُلَفــاً فَــزُلَفَـا
ومن قرأ بضم اللام فإنه واحد مثل الحلم وجائز أن يكون جمعاً على زليف من الليل فيكون مثل قريب وقرب قال الزجاج والزَلف بالفتح أجود في الجمع وما علمت أن زليفاً يستعمل في الليل وهو منصوب على الظرف. اللغة: الركون إلى الشيء هو السكون إليه بالمحبة له والإنصات إليه ونقيضه النفور عنه والصبر حبس النفس عن الخروج إلى ما لا يجوز من ترك الحق وضدُّه الجزع قال:
فإِنْ تَصْبِرا خَيْرٌ مَغَبَّةً   وَإِنْ تَجْزَعا فالأَمْرُ ما تَرَيانِ
وهو مأخوذ من الصبر المرّ لأنه يجرع مرارة الحق بحبس النفس عن الخروج إلى المشتهى ومما يعين على الصبر شيئان أحدهما: العلم بما يعقب من الخير في كل وجه وعادة النفس له والثاني: استشعار ما في لزوم الحق من العز والأجر بطاعة الله والبقية ما بقي من الشيء بعد ذهابه وهو الاسم من الإبقاء. ويقال: في فلان بقية أي فضل مما يمدح به وخير كأنه قيل بقية خير من الخير الماضي واترفوا أي عودوا الترفه بالنعيم واللذة وذلك أن الترفه عادة النعمة قال:
تُهْدى رُؤُوس المُتْرِفِينَ الضُّدَّادْ   إلــى أمِيــرِ المُــؤْمِنِينَ المُمتــادْ
أي المسؤول وإنما قيل: للمتنعم مترف لأنه مطلق له لا يمنع من تنعمه. الإعراب: { فتمسكم } منصوب لأنه جواب النهي بالفاء وتقديره لا يكن منكم ركون إلى الظالمين فتمس النار إياكم { ثم لا تنصرون } ارتفع تنصرون على الاستئناف. { طرفي النهار } منصوب على الظرف { وزلفاً } معطوف عليه. { إلا قليلاً } استثناء منقطع بمعنى لكن عن الزجاج تقديره لكن قليلاً ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد. المعنى: ثم نهى الله سبحانه عن المداهنة في الدين والميل إلى الظالمين فقال: { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا } أي ولا تميلوا إلى المشركين في شيء من دينكم عن ابن عباس. وقيل: لا تداهنوا الظلمة عن السدي وابن زيد. وقيل: إن الركون إلى الظالمين المنهي عنه هو الدخول معهم في ظلمهم وإظهار الرضا بفعلهم أو إظهار موالاتهم فأما الدخول عليهم أو مخالطتهم ومعاشرتهم دفعاً لشرّهم فجائز عن القاضي وقريب منه ما روي عنهم ع أن الركون المودة والنصيحة والطاعة { فتمسَّكم النار } أي فيصيبكم عذاب النار { وما لكم من دون الله من أولياء } أي ما لكم سواه من أنصار يدفعون عنكم عذاب الله وفي هذا بيان أنهم متى خالفوا هذا النهي وسكنوا إلى الظالمين نالتهم النار ولم يكن لهم ناصر يدفع عنهم عقوبة لهم على ذلك { ثم لا تنصرون } أي لا تنصرون في الدنيا على أعدائكم لأن نصر الله نوع من الثواب فيكون للمطيعين: { وأقم الصلاة } أي أدِّها وائت بأعمالها على وجه التمام في ركوعها وسجودها وسائر فروضها.

السابقالتالي
2 3 4