الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْقَارِعَةُ } * { مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } * { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } * { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } * { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } * { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } * { نَارٌ حَامِيَةٌ }

القراءة: قال أبو علي: إمالة القارعة وإن كان المستعلى فيه مفتوحاً جائزة وذلك أن كسرة الراء غلبت عليها فأمالتها وقد أمالت ما تباعد عنها نحو قادر وزعم سيبويه أن ذلك لغة قوم ترضى عربيتهم وكذلك طارد وغارم وطاهر وكل ذلك تجوز إمالته إذا كانت الراء مكسورة وقال سيبويه: وينشد أصحاب هذه اللغة:
عَسَى اللهُ يُغْنِي عَنْ بِلاد ابنِ قادِرِ   بِمُنْهَمِرٍ جَوْنِ الرَّبـابِ سَكُـوبِ
وأما قوله { ماهيه } فيوقف عندها لأنها فاصلة والفواصل مواضع وقوف كما أن أواخر الأبيات كذلك وهذا مما يقوي حذف الياء من يسر وما أشبهه ألا ترى أنهم حذفوا الياء من نحو قوله:
وَلأنْتَ تَفْري ما خَلَقْتَ وَبَعْــ   ــضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِي
اللغة: القارعة البلية التي تقرع القلب بشدة المخافة والقرع الضرب بشدة الاعتماد قرع يقرع قرعاً ومنه المقرعة وتقارع القوم في القتال إذا تضاربوا بالسيوف والقرعة كالضرب بالفال وقوارع الدهر دواهيه والفراش الجراد الذي ينفرش ويركب بعضه بعضاً وهو غوغاء الجراد عن الفراء والمبثوث المتفرق في الجهات كأنه محمول على الذهاب فيها والبثّ التفريق وأبثثته الحديث إذا ألقيته إليه كأنك فرقته بأن جعلته عند اثنين والعهن الصوف ذو الألوان يقال عهن وعهنة وعيشة راضية مرضية بمعنى المفعول. وقيل: معناه ذات رضى كقولهم فلان نابل أي ذو نبل قال:
وَغَروْتَني وَزَعَمْتُ أَنَّكَ   لابنٌ بِالصَّيْـــفِ تامِــرُ
أي ذو لبن وتمر وقال النابغة:
كِلِيني لِهَمٍّ يا أُمَيْمَةُ ناصِبٍ   وَلَيْلٍ أُقاسِيهِ بَطِيءِ الْكَواكِبِ
أي ذي نصب والهاوية من أسماء جهنم وهي المهواة التي لا يدرك قعرها. الإعراب: القارعة مبتدأ وما مبتدأ ثان وما بعده خبره وكان حقه القارعة ما هي لكنَّه سبحانه كرَّر تفخيماً لشأنها ومثله قولهلا أقسم بهذا البلد وأنت حلٌّ بهذا البلد } [البلد: 21] والجملة خبر المبتدأ الأول ويجوز أن يكون قوله القارعة مبتدأ ويكون الناس خبره بمعنى أن القارعة تحدث في هذا اليوم فيكون قوله { ما القارعة وما أدراك ما القارعة } اعتراضاً ويجوز أن يكون التقدير هذا الأمر يقع يوم { يكون الناس كالفراش المبثوث }. المعنى: { القارعة } اسم من أسماء يوم القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع وتقرع أعداء الله بالعذاب { ما القارعة } هذا تعظيم لشأنها وتهويل لأمرها ومعناه وأيُّ شيء القارعة ثم عجَّب نبيَّه صلى الله عليه وسلم فقال { وما أدراك ما القارعة } يقول إنك يا محمد لا تعلم حقيقة أمرها وكنه وصفها على التفصيل وإنما تعلمها على سبيل الإجمال. ثم بيَّن سبحانه أنها متى تكون فقال { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } شبَّه الناس عند البعث بما يتهافت في النار وقال قتادة: هذا هو الطائر الذي يتساقط في النار والسراج وقال أبو عبيدة: هو طير ينفرش ليس بذباب ولا بعوض لأنها إذا بعثوا ماج بعضهم إلى بعض فالفراش إذا ثار لم يتجه إلى جهة واحدة فدلَّ ذلك على أنهم يفزعون عند البعث فيختلفون في المقاصد على جهات مختلفة وهذا مثل قوله

السابقالتالي
2