الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

الإعراب: لولا بمعنى هلا وهي تستعمل على وجهين أحدهما: التحضيض والآخر: التأنيب كقولك في التحضيض هلا تأتي زيداً لحاجتك وفي التأنيب هلا أمتنعت من الفساد الذي دعيت إليه قال الشاعر:
تَعُدُّونَ عَقْرَ النيبَ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ   بَني ضَوْطَرى لَوْلاَ الكَمِيّ المقَنَّعا
أي هلا تعقرون الكمي وكانت قرية كان هذه هي التامة لا تحتاج إلى خبر وآمنت فنفعها إيمانها صفة لقرية فإن الجمل قد تقوم مقام الصفة للنكرة والأقوم يونس استثناء متصل واقع على المعنى لا على ظاهر اللفظ فكأنه قال: هلا آمن أهل قرية والجميع مشتركون في هذا العتاب وقوم يونس مستثنى من الجميع ومثل هذا الاستثناء في قولـه تعالىفلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم } [هود: 116] وقال الزجاج إلا قوم يونس استثناء منقطع وتقديره لكن قوم يونس لما آمنوا ومثله قول النابغة:
وَقَفْــتُ فَيهــا أُصَيْلاً لا أَسائِلُهـــا   عَيَّـــتْ جَواباً ومَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ
إلاَّ الأَوارَيَّ لأْيــــاً مـــا أُبَيِّنُهَـــــا   وَالنُّؤْيُ كَالحَوْضِ بِالْمَظْلُوْمَةِ الجَلَدِ
وحكى الفراء في البيت لا أن ما أبينها. وقال: جمع الشاعر بين ثلاثة أحرف في النفي لا وأن وما وقرأ بعضهم يونس ويوسف بكسر النون والسين أراد أن يجعل الاسمين عربيين مشتقين من آسف وآنس وهو شاذ. المعنى: لمّا ذكر سبحانه أن إيمان فرعون لم يقبل عند معاينة العذاب وصل ذلك بذكر إيمان قوم يونس قبل نزول العذاب فقال: { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس } قيل إن معناه فهلاّ كان أهل قرية آمنوا في وقت ينفعهم إيمانهم أعلم الله سبحانه أن الإيمان لا ينفع عند وقوع العذاب ولا عند حضور الموت الذي لا يشك فيه ولكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم العذاب عن الزجاج قال وقوم يونس لم يقع بهم العذاب إنما رأوا الآية التي تدلّ على العذاب فمثلهم مثل العليل الذي يتوب في مرضه وهو يرجو العافية ويخاف الموت. وقيل: إن معناه لم يكن فيما خلا أن يؤمن أهل قرية بأجمعهم حتى لا يشذ منهم أحد إلا قوم يونس فهلا كانت القرى كلها هكذا عن الحسن. وقيل: معناه فما كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها يريد بذلك لم يكن هذا معروفاً لأمة من الأمم كفرت ثم آمنت عند نزول العذاب وكشف عنهم أي لم أفعل هذا بأمة قط الا قوم يونس. { لما آمنوا } عند نزول العذاب كشف عنهم العذاب بعد ما تدلى عليهم وهو قوله: { كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا } عن قتادة وابن عباس وفي رواية عطاء. وقيل: إنه أراد بقولـه { فلولا كانت قرية آمنت } قوم ثمود فإنه قد جاءهم العذاب يوماً فيوماً كما جاء قوم يونس إلا أن قوم يونس استدركوا ذلك بالتوبة وأولئك لم يستدركوا فوصف أهل القرية بأنهم سوى قوم يونس ليعرفهم به بعض التعريف إذ كان أخبر عنهم على سبيل الإخبار عن النكرة عن الجبائي وهذا الذي ذكره إنما كان يصح لو كان إلا قوم يونس مرفوعاً فكان يكون صفة لقرية أو بدلاً منه على معنى هلا كان قوم قرية آمنوا إلا قوم يونس ولم يقرأ أحد من القراء بالرفع: { ومتعناهم إلى حين } وهو وقت انقضاء آجالهم.

السابقالتالي
2 3