الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

القراءة: في الشواذ قراءة ابن محيصن ويعقوب أن الحمد لله. الحجة: وهذه القراءة تدل على أن قراءة الجماعة ان الحمد لله إنما هو على أن أن مخففة من الثقيلة كما في قوله:
في فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا   أَنْ هالِكٌ كُـــلُّ مَنْ يَحْفى وَيَنْتَعِلُ
فيكون على تقدير أنه الحمد لله ولا يجوز أن تكون أن هنا زائدة كما في قولـه:
وَيَومـــاً تُوافينا بَوَجْهٍ مُقَسَّــمٍ   كَأَنْ ظَبْيَةٍ تَعْطُو إلى وَارِفِ السَّلَمِ
أي كظبية. اللغة: الغفلة والسهو من النظائر وهو ذهاب المعنى عن النفس ونقيضه اليقظة والدعوى قول يدعى به إلى أمر والتحية التكرمة بالحال الجليلة ولذلك يسمّون الملك التحية قال:
مِنْ كُلَّ ما نالَ الْفَتى   قَدْ نِلْتُهُ إلاَّ التَحِيَّه
وهو مأخوذ من قولهم أحياك الله حياة طيبة. المعنى: ثم إنه سبحانه أوعد الغافلين عن الأدلة المتقدمة المكذبين بالمعاد فقال: { إن الذين لا يرجون لقاءنا } أي لقاء جزائنا ومعناه لا يطمعون في ثوابنا وأضافه إلى نفسه تعظيماً له ويحتمل أن يكون المعنى لا يخافون عقابنا كما يكون الرجاء بمعنى الخوف كما في قول الهذلي:
إذا لَسَعَتْهُ الْنَحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها   وخَالَفَها في بَيْتِ نُوبٍ عَواسِلِ
جعل سبحانه ملاقاة ما لا يقدر عليه إلا هو ملاقاة له كما جعل إتيان ملائكته إتياناً له في قولـههل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } [البقرة: 210] تفخيماً للأمر: { ورضوا بالحياة الدنيا } أي متّعوا بها واختاروها فلا يعملون إلا لها ولا يجتهدون إلا لأجلها مع سرعة فنائها ولا يرجون ما وراءها { واطمأنُّوا بها } أي وسكنوا إلى الدنيا بأنفسهم وركنوا إليها بقلوبهم { والذين هم عن آياتنا غافلون } أي ذاهبون عن تأملها فلا يعتبرون بها { أولئك مأواهم النار } أي مستقرُّهم النار: { بما كانوا يكسبون } من المعاصي. ثم وعد سبحانه المؤمنين بعد ما أوعد الكافرين فقال: { إن الذين آمنوا } أي صدَّقوا بالله ورسله { وعملوا الصالحات } أي وأضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة { يهديهم ربهم بإيمانهم } إلى الجنة { تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم } أي تجري بين أيديهم الأنهار وهم يرونها من علوٍّ كما قال سبحانهقد جعل ربك تحتك سرياً } [مريم: 24] ومعلوم أنه لم يجعل السري الذي هو الجدول تحتها وهي قاعدة عليه وإنما أراد أنه جعله بين يديها. وقيل: معناه من تحت بساتينهم وأَسِرَّتهم وقصورهم عن الجبائي. وقولـه { بإيمانهم } يعني به جزاء على إيمانهم: { دعواهم فيها } أي دعاء المؤمنين في الجنة وذكرهم فيها أن يقولوا: { سبحانك اللهم } يقولون ذلك لا على وجه العبادة لأنه ليس هناك تكليف بل يلتذُّون بالتسبيح. وقيل: إنهم إذا مرّ بهم الطير في الهواء يشتهونه قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم الطير فيقع مشوياً بين أيديهم وإذا قضوا منه الشهوة قالوا: الحمد لله رب العالمين فيطير الطير حيّاً كما كان فيكون مفتتح كلامهم في كل شيء التسبيح ومختتم كلامهم التحميد فيكون التسبيح في الجنة بدل التسمية في الدنيا عن ابن جريج: { وتحيتهم فيها سلام } أي تحيتهم من الله سبحانه في الجنة سلام.

السابقالتالي
2